[I]
ما هي تلك القوانين المجتمعيَّة، ضمن بِنيَة الاقتصاد، لديمومة الفساد؟ إنَّ التساؤل هذا إنَّما هو تساؤل بِنيَة الاقتصاد، ومفهوم الدورة الإنتاجية، ومفهوم السياسة الاقتصادية. إنهما مفهومان، متى قام التَّساؤل السُّوسيولوجيُّ الجذريُّ عنهما، يقومان في، وعلى، بِنيَة السلطة- القوة، وماهية المشروعيَّة التي من شأنها؛ أي على التَّساؤل الجذري الآتي: ضمن أيّ شروط مجتمعيَّة- بِنيوية، تاريخيَّاً، أخذت هذه القواعد- القوانين تُصبِح مقبولةً- ومأخوذاً بها ضمن مجتمع
بعينه؟
[II]
يُتساءلُ عن مفهوم الدورة الإنتاجية، ومفهوم السياسة الاقتصادية ضمن الفعاليَّة الاقتصاديَّة. فإنْ أُخذَ الفساد، كمؤسسة اِقتصاديَّة، معنى ذلك أن التَّساؤل عنه ينطلق على النحو الآتي: كيف يُمكن أن ننطلق بـ[التَّساؤل- التَّفكير- الفهم] بالفساد، من جهة مفهوم الدورة الإنتاجية، أي الإنتاج والتبادل والتوزيع، ومن جهة مفهوم السياسة الاقتصاديَّة، أي السياسة المالية للدولة، والسياسة النقديَّة للبنك المركزي، من جهةٍ أخرى؟
[III]
فإذاً، إنَّنا في التَّساؤل هذا، نكون أمام اللوحة الفكريَّة الأوليَّة الآتية: [[المجتمعيّ] ، المؤسسة الاقتصادية ،بِنيَة الاقتصاد، الفعاليَّة الاقتصاديَّة، الفعل الاقتصادي، الفساد]. فالفساد، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ، متى أخذ ضمن بِنيَة الاقتصاد المجتمعيَّة، هو ينتمي إلى جذر مجتمعي يُحدد بالانطلاق من حقول مجتمعيَّة Societal Fields ثلاثة، على أقل تقدير.
[IV]
I- الحقل الاقتصادي الأوَّل لتحديد الفساد يتمثَّل بالدورة الإنتاجية ككل. ضمن هذا الحقل ينطلق تساؤل التحديد من حقول الفهم الآتية:
I-I- [حقل- الفهم] الخاصّ بمفهوم الإنتاج أي [المجتمعيِّ- الاقتصادي]. والتساؤل عن معنى اجتماع الفاعلين الاقتصاديين فيه ودوافعهم وماهية روابطهم وتشكلاتهم المجتمعيَّة، ومعنى [المجتمعيّ- الاقتصادي] بوصفه كُلاً آيديولوجيَّاً قائماً على رؤية كُلِّيَّة للمجتمع والإنسان. إنَّ التَّساؤل الأصليّ، ههنا، هو هذا: ضمن أيَّ شروط، وبأي وسائل، أصبحت مفاهيم من نوع: المواد الخام واليد العاملة ورأس المال ورأس المال الثابت ورأس المال المتغير، ...إلخ من مدخلات الإنتاج الأساسيَّة والفرعية، على هذا النحو من دون غيره؟
I-II- [حقل- الفهم] الخاصّ بمفهوم التبادل، وتحديد السوق فيه، انطلاقاً من سوسيولوجيا معادلات الطلب- والعرض الآيديولوجيَّة. فيصبح التَّساؤل: كيف أصبحت السلع والخدمات هذه، من دون غيرها معروضةً ومطلوبةً وبأيّ معانٍ؟
I-III- [حقل- الفهم] الخاصّ بمفهوم التوزيع: يتمثَّل تساؤله الأصليّ بهذا: ما المعايير المجتمعيَّة التي يُستند إليها في علميَّة توزيع الأرباح والريوع، المداخيل والرواتب، ... وإلخ من مخرجات محطة التوزيع؟
...ولكن من أين يستمد الفساد مشروعيَّته، ضمن بنية الاقتصاد؟
[V]
II- الحقل الاقتصادي الثَّاني لتحديد الفساد، من جهة بِنيَة الاقتصاد، يتمثَّل بوحدة العلاقة بين أرضيَّة السياسة الاقتصادية الكُلِّيَّة، وبين الفاعلين الاقتصاديِّين، التي لا تنفك تحضر في كل تفاصيل الوجود الاقتصادي الذي من شأن السلعة- الخدمة، والممارسة التي لها. ووحدة العلاقات الاقتصادية: علاقات الإنتاج- التبادل- التوزيع، تاريخيَّاً، المنتمية إلى صيرورة تشكُّل [المجتمعيِّ- الاقتصادي- في- كل- مرة]؛ فيما تكون سياسة اقتصادية بعينها أحدَ تجسُّداته.
[V]
III- الحقل الاقتصادي الثَّالث لتحديد الفساد يتمثَّل بوحدة [الدولة- السوق- الآيديولوجيا] وما ينتج عن هذه الوحدة المجتمعيَّة من أشكال، وتجسُّدات، وجماعات فعل اقتصادي متعدِّدَة. يُبنى ضمن هذا الحقل التَّساؤل على النحو الآتي: بأيّ معانٍ يكون للدولة سوق آيديولوجي، وبأيّ أساليب ضبط تُصبح السوق آيديولوجيَّةً؟
[VI]
ضمن التَّساؤل الكاشف- الفاهم- المفسِّر لمفهوم الفساد، بوحدة النَّظر والإجراء، وضعنا الأرضيَّة السُّوسيولوجيَّة الأصليَّة التي يُنطلق منها، [في- كُلِّ- مَرَّةٍ] يريد أن يقوم تساؤل عنه. لكن عن ماذا، بعد الكشف- الفهم- التفسير هذا، الذي يفتح أفق الفهم أمام تساؤلات علميَّة- سوسيولوجيَّة، كثيرة جداً، يجب أن يقوم التَّساؤل الأصليّ البَعْديِّ؟ إنَّه تساؤل الثورة
المجتمعيَّة.