تـوفـيـر دور إيـواء وفـرص عـمـل يـقـللان من أعـداد الـمـتـشـردين
ريبورتاج
2019/09/23
+A
-A
بغداد/ فجر محمد
بثياب رثة وممزقة وملامح تشي بالتعب والحزن كانت الاربعينية المجهولة الهوية تفترش احد ارصفة شوارع العاصمة بغداد، تروي حكايتها الثلاثينية شيماء كامل وتتابع:
“كنا نراقبها باستمرار فهي تفترش الرصيف المقابل لمنزلنا بداخل احد الاحياء السكنية والمتميزة بطابعها التجاري، ومن الملاحظ انها تختفي لايام طويلة ثم تعاود الظهور بدون سابق انذار، كما انها اعتادت على التحدث مع نفسها امام الجميع ، فضلاً عن صراخها المتواصل ولم يتمكن اي شخص في منطقتنا السكنية من التعرف على هويتها.
تشير التقارير الاعلامية الى أن مفهوم التشرد وكيفية التقليل منه قد انبثقا بشكل واضح في دول العالم عن طريق الانترنت بسبب تلقي الآلاف من الرسائل عبر شبكة التواصل الاجتماعي، اذ عملت مجاميع شبابية خاصة على الاستجابة لنداءات المشردين، وبدأت باقتراح حلول للمشكلة داخل بلدانها.
وتلفت تلك التقارير الى ان ظاهرة التشرد هي إحدى الظواهر التي تعاني منها المجتمعات الغربية والعربية على حد سواء، لكن باختلاف النسب والظروف في كل دولة ومجتمع، وتظهر ملامح ظاهرة التشرد بشكلٍ كبير ومخيف في الدول النامية بشكل خاص ، إضافة للدول المنكوبة بفعل الكوارث الطبيعيّة مثل الزلازل والفيضانات والبراكين، ولزيادة التشرد اسباب متعددة، منها المشكلات الاجتماعيّة على اختلافها، و ظاهرة التسرب من المدارس وهدم البناء النسيجي للأسرة، فضلاً عن الحروب بشكلٍ عام والتوترات السياسيّة التي تحدث في عددٍ من الأماكن حول العالم، بحيث تؤثر سلباً في المجتمعات بشكلٍ واضح ويضاف الى ذلك الفقر والبطالة، وكذلك الكوارث الطبيعيّة وهي الناتجة عن الأعاصير والزلازل والبراكين والفيضانات والانهيارات الأرضيّة، وغيرها من الظواهر التي تسبب دماراً في
المكان.
ضغوطات متعددة
الباحث بالشؤون الاجتماعية ولي الخفاجي اكد ان الظروف التي مرت بها البلاد من زيادة نسبة البطالة والايتام والمشردين ، فضلاً عن تخلي الآباء عن مهمتهم في رعاية اولادهم نتيجة الضغوط المادية والنفسية دفع بصغارهم الى الشوارع، كما ان العامل الاقتصادي يأتي في مقدمة العوامل التي تزيد من نسبة المشردين في البلاد.
لافتاً الى ان التفكك الاسري بسبب زيادة عدد حالات الطلاق وعدم دفع النفقة الزوجية للمطلقة ما يفرض عليها اعالة اطفالها الذين قد تصل اعدادهم الى خمسة او ستة او اكثر ادى الى تشرد الكثيرين، كما ان الظروف المعيشية القاهرة اجبرت عدداً من المواطنين على التجاوز واخذ دور الدولة واراضيها ومن الناحية القانونية هذا يعد خرقاً وعدم انصياع للقانون، لكنها من الجانب الآخر تعد قضية انسانية واخلاقية، وخير مثال على ذلك ما حصل مع المتجاوزين في مدينة كربلاء، اذ تم هدم منازلهم ولكن من دون ايجاد البديل لهم، يضاف الى ذلك زيادة عدد النازحين ما جعل المشكلة تتفاقم اكثر، فالكثير منهم اضطر الى الانتقال من محافظة الى اخرى وافتراش الارصفة والساحات العامة هرباً من ويلات الحرب ودمارها والهجمات الارهابية.
وبين الخفاجي ان هناك الكثير من المشكلات التي تؤثر في النسيج الاجتماعي بشكل واضح وغياب الحلول الجذرية والمعالجات من قبل الجهات ذات العلاقة زاد من حدتها وادى الى تفاقمها بشكل كبير، لذا لابد من تفعيل القوانين التي تحمي الشرائح المختلفة، وخصوصاً المطلقات ومنحهن النفقة الزوجية ليتمكن من اعالة انفسهن واطفالهن من دون استغلال لظروفهن الصعبة واحترام انسانيتهن وعدم المساس بكرامتهن.
دور ايواء
تتابع شيماء حكاية المشردة قائلة:
“افترشت المتسولة الارض لفترات طويلة وكانت تغادر مكانها باستمرار الى اماكن مجهولة ثم ما تلبث ان تعود، وكان الكثير من سكان المنطقة يحاولون مساعدتها باعطائها المأكل والملبس من دون ان يستطيعوا ايجاد حل جذري لمشكلتها”.
لجنة الاسرة والمرأة والطفل النيابية كشفت عن قرب استحداث دور وابنية جديدة لايواء المشردات، وان وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تعمل على انجاح المشروع وذلك بتذليل العقبات والصعوبات التي تواجه انشاء دور جديدة.
وبينت رئيسة اللجنة هيفاء الامين ان هناك تنسيقاً بين لجنتها ووزارة العمل لغرض فتح دور ايواء جديدة للمشردات تحتوي على المتطلبات الحياتية كافة، مع اختيار كوادر بشرية تستطيع العمل مع المشردات.
مضيفة ان هذه الجهود لغرض اعادة الحياة الى المشردات والعمل على دمجهن بالمجتمع العراقي.
وثائق وحقائق
اشارت الوثيقة التي اطلقتها وزارة التخطيط والمعروفة باسم خطة التنمية الوطنية الى ان الاحداث الخطيرة المتمثلة بالحروب والحصار الاقتصادي، وانتشار ظاهرة الارهاب الدولي القت بظلالها على مجمل التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع العراقي وكان من نتائجها السلبية انتشار ظاهرة الفقر في العراق، وهذا كان دافعاً كبيراً في تحقيق ستراتيجية التخفيف من الفقر خلال اعوام تنفيذها، وبينت الارقام والاحصائيات انخفاض النسبة بعد ان كانت مرتفعة في الاعوام الماضية تزامناً مع تحسن الوضع الامني والاقتصادي في البلاد، وركزت هذه الستراتيجية على ضمان الامن والاستقرار والحكم الرشيد وعدالة التوزيع وتنويع مصادر الدخل في السوق.
ووفقاً للأرقام الحكومية فإن نسب الفقر في العراق قبل عام 2014 كانت تتراوح ما بين 13 إلى 15 بالمئة، لكن ازمة الموصل وما تبعها من موجات نزوح مليونية ، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية وانخفاض أسعار النفط، أدى ذلك كله إلى ارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من الضعف، وهي تتزايد يوماً بعد آخر.
الاتجار بالبشر
ما زالت المتشردة حتى الآن تجوب الشوارع بثيابها الرثة المتسخة، تواصل الحديث شيماء مبينة ان ظروف تلك المرأة لم تتغير، فهي ما زالت تعاني وتبحث عن مأوى، ان وجود هكذا نساء او رجال مشردين يثير القلق والمخاوف من امكانية استغلالهم من قبل عصابات الجريمة والارهاب والاتجار بالبشر، لذلك من المفروض معالجة هكذا حالات بصورة سريعة تجنباً لاي ممارسات قد تؤثر سلباً في المجتمع.
مدير مركز دار السلام العراقي الدكتور سامي شاتي بين ان ظاهرة التشرد تثير القلق والمخاوف لكون المشردين قد يكونون ضحايا للاتجار بالبشر والعصابات المنظمة المتخصصة بهذا الامر او بيوت الدعارة التي تستقطب الفتيات البعيدات عن ذويهن، ومما يزيد المخاوف اكثر ان تزايد البطالة دفع بالكثيرين الى امتهان التسول وكل هذا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوضع الاقتصادي للبلاد واسعار النفط في الاسواق العالمية، فضلاً عن عجلة البناء والتنمية، وكذلك الهجمات الارهابية التي تعرضت لها البلاد وازدياد ظاهرة النزوح.
مشيراً الى ان التحديات السابقة دفعت منظمات المجتمع المدني الى التعاون مع الجهات المعنية بعقد ورش وندوات من اجل الحد من ظاهرة التشرد ومن بين الحلول المقترحة توفير دور ايواء تحتضن المشردين، وفتح مراكز تدريب في وزارة العمل من اجل تطوير مهاراتهم، فضلاً عن الاهتمام بالتشريعات والعمل على سنها والعمل بها باقرب فرصة ومنها الدفع باتجاه تحقيق المادة 30 من الدستور العراقي التي تنص على توفير الضمان الصحي والاجتماعي من خلال اصدار القانون الخاص به.