العالم يفشل بحجب الأخبار الكاذبة في الإعلام والتواصل الرقمي

ريبورتاج 2019/09/30
...

عدنان أبوزيد
 
من السابق لأوانه، القول ما إذا كانت محاولات شركات التواصل الاجتماعي لاسيما فيسبوك، ومحركات البحث مثل Google ستنجح في التغلب على الأخبار المزيفة، أو تؤثر بشكل كبير في التقليل من تدفقها الهائل، لا سيما ان القصص المفبركة باتت أداةً بيد أجهزة المخابرات العالمية، والجيوش الرقمية، فضلا عن كونها وسيلة لبعض الكتاب ورجال الصحافة لكسب المال، والوسيلة المفضّلة للأنظمة السياسية بالتأثير في الرأي العام.

ويفيد تقرير نشره معهد {هارفد كندي اسكول} في الولايات المتحدة، أنه حتى في الحالات التي يعرف فيها الأميركيون أن الأخبار المزيفة تسبّب التشويش حول القضايا والأحداث الحالية، فإنهم يواصلون التعامل معها، ما يعني ان هناك مصالح في نشرها، بينما تشير دراسة أجراها معهد Poynter المختص بالكشف عن الإخباريات المزيفة وارشفتها الى أن 23 بالمئة من البالغين في الولايات المتحدة يعترفون بأنهم شاركوا في صناعة او نشر أخبار مزيفة، عن قصد، أو من دونه.
{الأخبار المزيفة} مصطلح يمكن ان يعني صناعة القصص وفبركة معلومات الأحداث، بحسب الغاية، وفي أغلب دول العالم، فإن تأليف الأخبار المنتحلة يزداد في مواسم الانتخابات، والأزمات السياسية والاقتصادية، على شكل أخبار أو مقالات، وتجاوزَ ذلك الى مقاطع الفيديو، واخبار مصورة، ونجحت الأخبار الملفقة في الوصول الى غرف صناعة الاخبار المهنية، والى مراكز القرار، وفي الكثير من الحالات، ويربك الزيف، وكالات الاعلام العالمية التي يتوجّب عليها التدقيق اكثر في مصدر اخبارها، وفق  معهد Poynter   الذي ينصح بتعاون عالمي لمحاربة الأخبار الزائفة بين غرف الأخبار ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي ومنظمة البحث عن الحقائق التي تم إطلاقها في ايلول
2016.
 
عِلم الأخبار المزيفة
يكشف البروفيسور ديفيد لازر من كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في مشيغان في الولايات المتحدة، وهو كاتب مقالات أيضا، عن أن الأخبار المزيفة تسلط الضوء على هشاشة المصدات المؤسساتية أمام المعلومات الخاطئة في عصر الإنترنت، معترفا بضعف الأفراد والمؤسسات والمجتمع أمام التلاعب من قبل الجهات المصدرة لها، داعيا الى نظام جديد للأمن الإعلامي، لاسيما الرقمي، وتطوير البحوث الاجتماعية وعلوم الكمبيوتر لصيد مبكر للأخبار 
المزيفة.
ويتجاوز تأثير الاخبار المزيفة في توجيه الاحداث، الى كونها تشكل تهديدا للديمقراطية، وحجّة لأنظمة وجهات رقابية، لتكبيل الحريات الصحافية وحقوق النشر وحرية الرأي تحت ذريعة، محاربة الزيف في النشر.
 
ماذا عن العراق؟
يرى الكاتب جنان السعدي في حديثه
لـ {الصباح}، ان {الإعلام يعاني في الكثير من دول العالم وفي مقدمتها الدول النامية من التسييس، سواء للسلطات الحاكمة أو المعارضة، وفي العراق تبرز هذه الإشكالية بوضوح مصحوبة بمشكلة ضعف التمويل، منعكسة على الإعلام الحر، على الرغم من ادعاء الجميع البراءة منها، وقد سهّل ذلك نشر المعلومات الزائفة المؤدلجة}.
ويتابع: {المجتمع لايزال غير مستوعب للأطر العلمية الصحيحة للديمقراطية، بعد ان انطلق من بودقة إعلام حكومي مركزي مقيد إلى اعلام منفلت دون منهجية أو ضوابط، وهذا أثّر بشكل سلبي في ما يطرح في الإعلام من زيف من قبل جهات غير مهنية وغير قادرة على إدارة اعلام حر مستقل يهمه الخبر الصحيح}.
 
الصحافة التقليدية
ما يُحسب لصالح الصحافة التقليدية، ندرة الأخبار الملفّقة، وجودة المحتوى، بينما الصحافة الرقمية، وأخبار الموبايل والتواصل الاجتماعي، تعجّ بالزيف والتدليس، الذي يتكاثر بشكل أميبي، لا اتّجاه له، تعجز عن لجمه، التقنيات والتطبيقات الخوارزمية، ومهارات الذكاء الاصطناعي.
ان تعزيز العلاقات والتفاعل الاجتماعي، والحصول على المعلومة اللحظية المتدفقة من دون بوابات سيطرة، ولا حسيب أو رقيب، انجاز مهم، لكن آثارها السلبية، باتت فادحة، عبر سلاسل من الشائعات الممنهجة، ومن ذلك ان منظمة العفو الدولية رصدت 800 رسالة مسيئة موجهة الى نساء معروفات، في العالم، بما في ذلك عضوة في الكونغرس الأميركي، ونائبة في المملكة المتحدة. 
وأظهرت بيانات الاتحاد الأوروبي العام 2017، أن 70 بالمئة من تعليقات الكراهية غير القانونية، تم الإبلاغ عنها، لكن ما يحدث في العالم الثالث، لاسيما العراق والدول العربية، أفظع من ذلك بكثير، بينما وسائل الردع أقل، مقارنة 
بوسائل الغرب في الدفاع الرقمي.
 
لماذا الكذب؟
المحلل السياسي واثق الجابري، يُرجع في حديثه لـ {الصباح}، انتشار الاخبار الكاذبة لسببين، {أولهما سوء ممارسة النظام الديمقراطي، لاسيما من بعض النخب السياسية التي لم ترتكز على مبدأ فصل السلطات لكي تعطي الدور الكافي لاعتبار الاعلام سلطة رابعة}.
ويضيف: {السبب الثاني هو في تحول وسائل التكنولوجيا والإعلام الرقمي كأدوات للتضليل وتمرير أهداف معينة على حساب الحقيقة، وهذا ما جعل طيفا واسعا من الجمهور يتأثر بالأخبار الكاذبة، بل الأدهى ان بعض السياسيين لا يتخذون موقفا من الاخبار الكاذبة ومنهم من يعرف انها كاذبة ومع ذلك يتفاعل بالرد عليها او يجعل منها منطلقا لتسقيط الخصم}. ويقول المهندس والخبير النفطي والكاتب محمد زكي إبراهيم، في حديثه لـ {الصباح}، ان من {أهم وسائل الحرب الناعمة في النزاعات الدولية هي الشائعات، فهي سلاح فعال لإضعاف الخصم وتحطيم معنوياته}.
ويوضِح إبراهيم: {خضع العراق منذ العام 2003 إلى وابل من أكاذيب، تلقفتها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لسببين مهمين، الأول رغبة جهات معادية – داخلية وخارجية – في إرباك الوضع الأمني، والثاني لوجود عنصر الإثارة فيها، فالفضائح تستهوي القارئ العادي وتجلب انتباهه}.
ويؤكد إبراهيم، ان {لا معايير للتأكد من صحة المعلومة، عدا أن الكثيرين لا يعنيهم مثل هذا الأمر، ولا حل إلا بقيام السلطات بسن قوانين صارمة لملاحقة مروجي الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي، وإنزال العقوبات الرادعة بهم، ومثل هذه التقنيات متاحة حالياً ومعمول بها في دول مختلفة مثل السعودية، إلا أن الموضوع لا يخلو من تبعات سياسية وأيديولوجية}. ويذكّر إبراهيم {ببعض الدول التي تخوض مواجهات حقيقية مع العالم الخارجي والتي أدركت الخطر الذي يهددها من القنوات الفضائية ومواقع التواصل فقامت بحجبها عن العموم مثل إيران}، متسائلا: {هل يتعارض هذا السلوك مع حق الإنسان في الاطلاع على المعلومات وتداولها؟ أعتقد أن منظومة حقوق الإنسان بحاجة إلى تعديل بين الحين والآخر، فالسلم المجتمعي أهم وأخطر من أي شيء آخر، وإذا ما تعرّض للانهيار في بلد ما، فإن مردوداته وخيمة جداً}.
 
الخوارزميات
لا أحد ينكر، إنّ شركات الخوارزميات، ليست بعيدة عن الاتهامات بغضّها النظر عن الاخبار الزائفة التي يتابعها الملايين من المتابعين، فهي تفضّل ارصدتها المالية، على المكاسب الأخلاقية والإنسانية، لكن سيكون أمراً عظيماً، لو اخذ الفرد في نظر الاعتبار، السلوكيات الأخلاقية والإنسانية في التعامل مع آلات التواصل 
الجديدة. كما سيكون الأمر ذا نفع عظيم، حين نجد أنفسنا وقد تحولنا الى {كائنات اجتماعية} تديم الثقة وتعزز الصدق عبر التراسل الافتراضي، وان نقدّم أنفسنا الى الاخرين، كما نحن، قلبا وقالبا، من دون الاختباء خلف شخصية افتراضية غامضة، أو وهمية. ثمة حاجة الى تعزيز محتوى تواصلي عراقي، يرفد المتابع بالمعلومة الصحيحة، بينما على الجهات المعنية، ايجاد آلية مراقبة حديثة كما في أوروبا، تغلق الثقوب السوداء التي يتسلل منها الكذب والتزييف، لكنها لا تتجاوز على حرية الرأي.