خليها... مزيّة عراقيَّة

اسرة ومجتمع 2019/10/27
...

لمياء نعمان
 
أقلني سائق التكسي الى البيت ولم يكن يعرفني بالتأكيد وعندما هممت بإعطائه الأجرة.. قال: (خليها.. أخاف ما عندج)، ضحكت وشكرته وقلت، الحمد لله عندي ولست محتاجة، وهذا رزقك ..
قال “شكو بيها” قلت له، هل تتعامل مع الجميع بهذا المنطق ولا تأخذ أجرتك وتقول: “خليها” .. قال  نعم، فهناك فعلا أناس ليس لديهم النقود لدفع الأجرة لذا حتى لا أحرجهم أقول لهم “خليها”، قلت له بارك الله فيك ونعم 
الأخلاق ..
لم يكن هذا السائق الوحيد الذي يقول “خليها” “فكثيرون مثله يجسون نبض المواطن حتى لا يشعروه بالخجل وخاصة الفقيرات والأرامل فهن يحتجن للمساعدة الحقيقية.. وعلى الرغم من أنه يسترزق وغيره من عملهم إلّا أنّهم يقولونها ومن كل قلوبهم “
خليها” ....
لا يقتصر الحال على سائقي التكسيات بل يشمل هذا التعامل الجميل للعديد من أوجه الحياة، وعادة ما نلمسها في الأسواق والمطاعم وغيرها فهو تعامل ملموس نفرح 
به ..
“خليها” مفردة كنّا نتداولها بكثرة أيام الحصار الجائر على شعبنا العزيز، كان الناس فعلا يفتقرون للسيولة النقدية في جيوبهم وبيوتهم، والجميع بالحال والأحوال نفسها، ونتداولها للتخفيف والمزاح عن فقرنا وحياتنا 
البائسة.. 
لكن لم تقف الحياة والمشاركات الاجتماعية والأسريّة عندها، فمثلا عند زيارتنا للأهل والأصدقاء والمعارف كنا “نخليها علينا” فنجلب معنا حاجياتنا من الطعام والفواكه حتى لا نضايق أهل البيت ونحرجهم بالمجيء، فالحال هي الحال نفسها ولا ينبغي أن يشعروا بتطفّلنا ومضايقتنا 
لهم.. 
ولا تنتقص الأسر من هذه المبادرات الطيبة على الرغم من اعتراضهم وخجلهم في بادئ الأمر من جلب طعامنا معنا.. 
وكان هذا جزءا من حياتنا لتعزيز العلاقات الاجتماعية والأسريّة، لذا لم تنقطع أواصر تلك العلاقات بحجة الحصار وفقر الحال بل لم نكن نسكت عن أحاديثنا الشيقة وضحكاتنا البريئة ولقاءاتنا 
الدائمة.. 
فنحن لم نكن “نخليها عليهم” وعلى الزائر تحمل عبء زيارته الميمونة حتى لا يثقل على أحبائه بتوفير مستلزمات الزيارة الأسريّة المفاجئة 
أحيانا.
“وخليها” تجدها مفعمة بالمحبة والتفاخر والترفّع ونقولها من كل قلوبنا، ولِما لا، والعراقي طيب وخلوق بطبيعته.. و “خليها” نقولها حتى لو لم يكن لدينا لامال ولاحال ولاسلطة؛ لذا ما زلنا نقولها لبعضنا البعض فهي سمة عراقيَّة 
بامتياز.