هل تؤثر تنقلات الطالبات في حماسهن الدراسي؟

اسرة ومجتمع 2019/10/27
...

بغداد/ مآب عامر
 
 
“ست رجاء.. هل يمكننا أن نبقى معاً في شعبة واحدة كما كنّا، لا نريد أن ننفصل”، بهذه الكلمات تتوسّل الطالبة ربا صبيح (١٤عاما) برفقة صديقتها سما عماد بمشرفة الشعبة التي جابهتها بالرفض. إذ حثّ أمر اداري صدر في إحدى مدارس بغداد المدرّسات على إعادة تقسيم الطالبات وترتيب تواجدهن في صفوف أكثر، مما دفع الصديقتين الى الانفصال عن بعضهما اثناء الحصص الدراسيّة.
تروي ربا محاولاتها لإقناع أبيها للتدخّل ونقلها إلى جوار صديقة طفولتها، تقول: “وافق أبي على التدخّل بصعوبة بالغة”، لكنها تعود وتتساءل باستغراب: “ولكن هل ستوافق معلّمتي على نقلي، وماذا عن مقعدي الدراسي هل سنستطيع الجلوس معاً كما كنا في السنوات الماضية؟”.
ربا وسما صديقتا دراسة منذ ثلاث أعوام اعتدن على تدريس بعضهن البعض من دون الحاجة إلى مدرّس خصوصي، فضلا عن تواصلهما وذهابهما ومجيئهما من المدرسة معاً.
حالة فصل الطلبة وإعادة تنظيم جلوسهم وصفوفهم الدراسيّة بحسب رغبة الهيئة التدريسية المشرفة من الأمور الطبيعية التي تمارس في المدارس، لكن هذه الحالة وتحديداً مع بداية كل عام دراسي تصحبها الكثير من المخاوف التي لا يشعر بها إلّا التلاميذ، فإنشاء صداقات جيدة ليست بالمهمة السهلة عند البعض، مما يضطر الأهالي إلى التدخّل لغرض معالجة مثل هذه الارتباكات التي يعاني منها
 الطلبة.
 
الشعور بالوحدة
إذ تعاني سوسن عامر (12عاماً) كل بداية عام دراسي من انتقالها لشعبة دراسية جديدة مع مجموعة جديدة من التلاميذ بمرحلتها، تقول إنّ “بعض التلاميذ يستعينون بأهاليهم لحل المسألة ومقابلة المعلّمة لتفهم الوضع وعدم نقل تلميذ دون أن يكون برفقة التلميذ الآخر”.
ولكن أهل سوسن يرفضون التدخّل بهذه المسألة، ويفرضون عليها أن تتقبّل الأمر دون اعتراض، وأن رفقاء الدراسة ليسوا أصدقاء، إلاّ أنها ليست مقتنعة، وتضيف أن عملية انتقالها كل مرحلة دراسية جعلها تشعر بالوحدة، وتفتقد لصديقة دائمة معها، لأنّه في كل مرة تم نقلها تفقد صديقتها. 
وتتابع: “مهما نحاول التواصل معاً في الفسح الدراسية، إلّا أننا في النهاية سنفقد بعضنا وإلى الابد”.
 
مصلحة الطلبة
زهراء كاظم (١٤عاماً) أيضا تعاني من مسألة النقل بين الشعب الصفيّة للمرحلة الواحدة داخل المدرسة، وتنظر لهذه الخطوة بنظرة سلبيّة، وتقول إنها “قد أثرت كثيراً على رغبتها بالدراسة ومستويات درجاتها، قبل عامين عندما تم نقلها إلى شعبة دراسية جديدة في حين بقيت صديقتها بشعبتهما القديمة”. وقد رفضت مشرفة الشعبة إعادتها لصفها القديم، رفضاً باتاً رغم تدخل والدتها ومقابلة المشرفة، التي أخبرتها بأنّ مسألة التنقل بالمدارس هي “لخدمة الطلبة، ومحاولة ترتيبهم بشكل صحيح”. كما نصحت والدتها بألّا تتدخّل في القرارات  التي تتخذها إدارة المدرسة لأنّها لمصلحة الطلبة بالأساس، على حدِّ قول زهراء. وتقول زهراء: إنها لم تعد لديها رغبة تكوين صداقات لكثرة تجاربها في مفارقتهن، وحرصت على أن تكون علاقاتها داخل الصف بعيدة كل البعد عن الصداقة، لأنّها لا تتحمّل صدمة جديدة.
 
سلوكيات غير صحيحة
من الشائع أيضا، عند سماع حالات من التنقلات في شعب وصفوف المدارس فإنّ الأمر قد يتعلق بسلوك الطلبة، إذ تقول هناء حامد (38 عاماً) وهي أكاديمية ومُدرسة لواحدة من مدارس بغداد للبنات: إنّ إدارة المدرسة تعمد كل بداية مرحلة دراسية على نقل الطالبات بغية تفريقهن عن قصد.
فعلى سبيل المثال، هناك طالبات لديهن قدرة ضعيفة في استيعاب الدروس وغيرهن طالبات يتصرفن بسلوكيات لا اخلاقية وكذلك معادية لغيرهن، الأمر الذي قد يشجّع غيرهن ويدفعهن الى تقليدهن.  ويمكننا القول إنّ إدارات المدارس تحاول أن تتعامل مع الطلبات بحكمة، للتخلص من السلوكيات غير الصحيحة التي تؤثر على مستويات الطالبات الدراسية، حسب هناء.
الحالة النفسيَّة
 لكن الخبيرة بعلم النفس الاجتماعي الدكتورة بشرى الياسري، لا تحبذ القرارات التي تؤثر في تطبيقها الحالات النفسية للطلبة، وخاصة الفتيات، وتقول إنّ “تفريق طالبة عن صديقتها الطالبة برحلة واحدة يجلسن عليها، وكذلك بصف واحد، بقصد تحقيق مصلحة الطلبة كما تقول إدارات المدارس، ليست بخطوات جيدة، على الأقل بالنسبة للطالبات اللواتي لم يرغبن بذلك أو يطلبن نقلهن”.
ورغم أن تقبّل الطلبة لرغبة الإدارة في التنقلات داخل المدرسة نسبيّة، إلّا أنّني أراها خطوة غير عمليّة لأنّه عادة ما يكون اختلاط الفتيات بالعالم الخارجي قليلا جدا، وأن المدرسة هي ربما قد تكون الفسحة الوحيدة التي تجعلهن يتواصلن مع بعضهن البعض وتكون بينهن صداقات جميلة بينهن قد تستمر لسنوات
 طويلة. كما أنّ التنقلات داخل المدارس دون رغبة الطلبة قد تؤثر بشكل سلبي على مستوى حماس الطلبة، وهناك مشكلة أخرى تتعلق بالحالة النفسية للطالب الذي يتم نقله، وقد يتأزم وضعه، ويفشل في تحقيق النجاح والتفوق.