أمومة إجباريَّة

اسرة ومجتمع 2019/11/02
...

ميادة سفر
 
عندما يتعلق الموضوع بحرية الإنجاب، تواجه المرأة التي تعلن رغبتها بأن لا تكون أمّاً، بردِّ فعلٍ عنيف، وسيلٍ جارف من الرفض الاجتماعي والاستهجان الكبير، على اعتبار أنّها خلقت وفقاً للعرف المجتمعي “لتكون أمّاً” لا غير ذلك، فأن تكوني امرأة يعني أن تصبحي أمّاً شئت أم أبيت، لذا ستكون نظرة المجتمع للمرأة التي لا تتزوّج سلبية وسيئة ومسيئة أيضاً، فليس على المرأة إلّا الزواج وإنجاب الأطفال “ويفضّل أن يكونوا ذكوراً” للرجل العتيد الذي سيحملون اسمه العظيم. ربما تكون الأمومة شيئاً جميلاً وشعوراً لطيفاً يحسُّ به من يرغب بذلك، ويراود الكثيرات وتتمنّاه أغلب النساء، لكن هناك أيضاً فئة منهن سواء أكانت متزوجة أم لا، لا ترغب به ولا تسعى إليها، لأسباب عديدة وكثيرة، وهو أمر لا ينفي حبها للأطفال وعطفها عليهم.
تعد الرغبة بعدم الانجاب جريمة لا تغتفر، ولن يقتصر الأمر على الأسئلة والتلميحات والإشارات من الأهل أولاً وتالياً من الأصدقاء وحتى زملاء العمل، تجعل المرأة مخلوقاً أقل إنسانية وأقل أنوثة، دون الالتفات إلى قدرتها على العناية بذلك الطفل وتحمل مسؤوليته، والرغبة بالتغيير الذي سيطرأ على حياتها ومستقبلها وعملها وحتى على جسدها.
“يأتي الولد ويأتي رزقته معه” تلك العبارة الشعار الذي يرفعه المجتمع في وجه من يقدم أسباباً لعدم رغبته في الإنجاب أو حتى تأجيل الأمر لوقت لاحق، لكن ألّا يحق لنا أن نتساءل ماذا عن ملايين الأطفال في بلداننا وبلدان العالم المشرّدين الجائعين المرميين في الشوارع، الذين يموتون جوعاً وبرداً!، عن أطفال لم يحصلوا على ما يشبع إنسانيتهم وحياة تليق بهم من تعليم وتربية وطبابة، أين رزقتهم التي تتحدثون عنها؟، هل ضلّت الطريق وذهبت إلى أطفال آخرين، أليس هذا مبرراً لنفكر ملياً وطويلاً قبل أن نأتي بطفل إلى عالم لن يقدر على تأمين عيشه وحفظ كرامته وإنسانيته.
ثمَّ أنّ الشخص الذي يعد إحساس الأمومة شيئاً رائعا وجميلاً، ما الذي يزعجه أأنجب غيره أم لا، عاشت تلك المشاعر أم لم تعشها، فالموضوع جد شخصي ولا يحتمل فرضه على الغير تحت أي مبرر، وجود نساء غير راغبات بالأمومة لا يعني فرض تلك الرغبة على الأخريات والعكس أيضاً صحيح، فكم من النساء أنجبن لأنهنّ يحببن الأطفال، بينما أخريات قمن بذلك لأن الزواج و”سنة الحياة” فرضته، ونساء يتمنين أن يكن أمهات لكن الظروف الصحية والاجتماعية والاقتصادية تمنعهم عن ذلك، وأخريات اكتشفن حملهن “خطأ” دون أن يكن مستعدات لخوض هذه التجربة.
هي خيارات متعددة واحتمالات كثيرة توجد طالما الحياة مستمرة، فلكل شخص ظروفه وخياراته وتجاربه، وما علينا إلا أن نقتنع بأنّ المرأة التي تقرر ألا تكون أمّاً فهو خيارها الذي لن يؤثر أبداً على خيارات الآخرين، فلا داعي لإقناعها بتغيير رأيها، وإنجاب أطفال لإرضاء المجتمع، هي حتماً لم ترتكب جريمة بحق الإنسانية ولن تغيّر مجرى التاريخ. هامش: قد يفضي الاغتصاب من مختل إنسانياً وجنسياً إلى حمل، ما يعني “أمومة إجباريّة” حاقدة على الطفل أولاً وعلى المجتمع ثانياً، فما علينا إلّا أن نحترم خيارات بعضنا البعض ونقدرها فلا نكون مغتصِبين.