حفل عيد ميلادك بالمطعم

اسرة ومجتمع 2019/11/02
...

بغداد/ مآب عامر
في أحد مطاعم بغداد، تجلس فتيات صغيرات إلى طاولة مزينة ببالونات مربوطة إلى الأعلى وأخرى في الزاوية بلون أصفر تشكل جملة “عيد ميلاد سعيد”، يقمن بالغناء مع أغنية التهنئة التي أطلقتها إدارة المطعم، والتي كانت مصاحبة لتسجيل الفيديو والتقاط الصور قبل ومع إطفاء شموع الميلاد وتوزيع الهدايا، وتقول نور محمد (١٤عاماً)، وهي إحدى الفتيات المشاركات في حفل عيد ميلاد صديقتهن: “طريقة جديدة للاحتفال بعيد الميلاد، إنّها مسلية وتجعلنا نشعر بالمرح”.
وحفلات عيد الميلاد من العادات المتعارف عليها بالمجتمع العراقي، ويستقبل الشخص الذي يحتفل بعيد ميلاده الهدايا التي تستخدم عادة للتعبير عن الحب والاهتمام.
وتصف نور حفلة عيد الميلاد التي أقيمت بالمطعم بأنّها أحدث تقليعة بهذا الشأن، وتضيف: “هذه ثالث حفلة لعيد الميلاد احضرها مؤخراً بالمطعم”.
 
التعبير عن المشاعر
وتشهد فكرة اقامت أعياد الميلاد اقبالا واسعاً، على الرغم من أن الكثير من الأسر وأفرادهم لا يتمتعون بإقامتها، بينما البعض الآخر من الأسر لا تهتم بإقامتها إلّا ما ندر، ومنهم زينب صابر (١٧عاماً)، التي تهتم بصديقاتها، وتواظب على منح هدية لكل منهن في أعياد ميلادهن داخل بناية المدرسة، ولكن لم يسبق لأية واحدة منهن أن قامت بتقطيع كعكة عيد ميلادها أو أطفأت الشموع، وتقول: لا أتذكر يوماً ما قد تلقت فيه معايدة أو تهنئة من أبي أو أمي بيوم عيد ميلادي، فقط صديقاتي المقربات في المدرسة هن من يهتممن بهذا اليوم”.
وتنسب مثل هكذا فعاليات إلى العشّاق والمحبّين، إذ دوماً ما يحاول أحد الطرفين استغلال ذكرى عيد الميلاد لتقديم الهدية أو التهنئة كوسيلة ولاستمالة الحبيب أو عندما تكون العلاقة بينهما في أوجها أو ذروة الحماس الدافع التعبير عن المشاعر وتخطيه لكل التفاصيل واحتوائها، حسبما يقول رياض ماجد الذي سبق وأن اهتمّ بتقديم هدايا عيد الميلاد لحبيبته عندما كان في مرحلتي المتوسطة والاعدادية، ولكنه يرى أن هذه الفترة قد طويت من حياته بعدما أصبحت لديه زوجة، إذ لا يتذكر كلاهما عيد ميلاد أحدهما الآخر. 
 
كسر الملل والروتين
وللتجمعات الجامعيّة حصّة لا بأس بها من الاحتفال بأعياد الميلاد وتبادل الهدايا وافتعال الأجواء الممتعة، وما يميز هذه الحفلات أنّها كانت السبب في رواج وانتشار فكرة اقامتها بالمطاعم العمومية. كما كانت تعكس أيضا تغيراً في أن زيارة مطعم ما ليس بالضرورة لتناول الطعام فقط، وتقول سمر كاظم (٢١عاماً): مجموعتنا تتكون من (١٥) شابا وشابة، نكرّس بعض أوقات الفراغ بإقامة حفلات الميلاد، وغالبا ما تكون في الحدائق العامة أو المطاعم لكسر الملل والروتين، أو لعدم اهتمام الآباء والامهات بمثل هذه
 التفاصيل.
 ولا ينشغل طلبة الجامعات عند اقامة حفلاتهم الخاصة بأعياد الميلاد بالتفاصيل الدقيقة بالحفل، اذ يهتمّون فقط بتوفير مبالغ تكفي لشراء كعكة بسيطة أو عرض في مطعم ما، يعني بما تسمح لهم مصاريفهم المالية، وهو ما تحدثت عنه كاظم التي ترى أن حفلات أعياد الميلاد التي يقيمها طلبة الجامعات غير مكلفة ولا تخلّف أضراراً مالية أبداً.
ولاقت فكرة “حفل عيد ميلاد بالمطعم” ترحيباً وصار يقلدها الصغار من طلبة المدارس، ولم تعد ثمة حاجة لإقامتها في المنازل، وسرعان ما اكتشفتها إدارات المطاعم وحاولت استغلالها عبر توفر خدمات لا تتجاوز تكاليفها المادية عن (٦٠) ألف دينار لكل ستة أشخاص مع لمسات جذابة بأجواء الحفل من بالونات وشرائط ملوّنة واغانٍ وكذلك شموع وكيكة كتب عليها اسم المحتفل بعيد ميلاده.
الاهتمام والحب
مناسبة عيد الميلاد مهمة بالنسبة للأسرة قبل الأصدقاء وعلى الأخص الوالدين، ففي هذا اليوم المميز يخبرك بعبارة واحدة، وهي “ أنا أحبك.. أنا اتذكرك.. أنت مميز عندي” وهي تشكل نوعا من الشعور بالانتماء والثقة بالمحيطين وأن كان بشكل بسيط، حسب الخبيرة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة بشرى 
الياسري.
وترى، أن إهمال الآباء والامهات لأعياد الميلاد لم يعد يشغل الشباب وحتى صغار العمر من أبنائهم كالسابق، من منطلق أن الاحتفال بعيد ميلاد الابن أو الابنة يرتبط بمعنى الاهتمام والحب اللذين دائما ما يبرره الكبار أنه بتوفير لقمة العيش والسكن لا بالتفكير بالفعاليات المترفة التي لا لزوم لها.
وتعتقد الخبيرة أنّ إقبال الشباب على حفلات أعياد الميلاد بالمطاعم أو بأماكن أخرى بعيداً عن الآباء أو وجودهم، هو رفضاً لهيمنتهم وسلطتهم، وكذلك تعبيرا عن الحرية التي يحاول الأهل تحجيمها من خلال العادات والموروثات المجتمعية.