سوريا أمام تحديات استرجاع السيادة

آراء 2018/11/17
...

 د . قيس العزاوي         
تعددت مؤتمرات حل الازمة السورية ما بين جنيف 1 وجنيف 2 والرياض 1والرياض2 و المؤتمرات التسعة التي عقدت في استونا (عاصمة كازاخستان) اضافة الى مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي (روسيا).. بعد كل تلك المؤتمرات يمكن القول بأن الحرب في سوريا قد انتهت عمليا ولم يتبق منها سوى بعض الخروقات العسكرية في ادلب ودير الزور وغيرها، وتسويتها كلياً باتت وشيكة وتجري باتفاقات اقليمية ودولية.. بيد ان المقلق في امن سوريا الموحدة هو وجود بعض القواعد العسكرية المتناثرة هنا وهناك، والخشية ان تشكل نواة صراع دولي واقليمي. 
والى ان تتمكن سوريا من اجلاء هذه القواعد تشكل القواعد العسكرية الاميركية مخاطر امنية بالغة ليس لسوريا فحسب، وانما لتركيا وايران كذلك، خاصة بعد ان تعددت هذه القواعد مثل قاعدة رميلان (شرق مدينة القامشلي الحدودية مع العراق)، وقاعدة تل بيدر بالحسكة، وقاعدة المبروكة غرب مدينة القامشلي، و قاعدة عين عيسى شمال سوريا وهي من اكبر القواعد الأميركية في المنطقة، وقاعدة تل أبيض على الحدود السورية 
التركية. 
وربما تكون اهم القواعد العسكرية الاميركية في سوريا ستراتيجياً هي تلك التي في مدينة منبج (شمال شرق حلب) التي تضم قرابة الفين عسكري اميركي. وتعتبر الحكومة التركية ان هذه القاعدة لا تشكل خطراً على سوريا فحسب، وانما تشكل خطراً كبيراً على الامن القومي التركي، ليس لأنها قريبة من تركيا، فالقوات الاميركية منتشرة في 26 قاعدة عسكرية اميركية في تركيا منذ اتفاقية 1969، ولكن لان وظيفة قاعدة منبج الاساسية، كما رسمتها الادارة الاميركية هي دعم قوات وحدات حماية الشعب الكردي وتدريب عناصرها وتسليحهم من اجل تشكيل قوة عسكرية من 30 الف عسكري كردي تعتبرهم تركيا اكبر مهدد لاستقرارها وتطلق عليهم " قوات
 ارهابية" . 
إن هذه السياسة الاميركية التي اعتبرتها تركيا عدوانية اغضبت الرأي العام التركي الى حد كبير، وبات قرابة 70 بالمئة من الاتراك مستائين من السياسة الاميركية بعد ان كانت النسبة نفسها تشيد بالصداقة التركية الاميركية.. وقد لاحظ ذلك القادة الاميركيون بانفسهم خلال زياراتهم لانقرة وحذروا منها خشية انفراط عقد التحالف التركي الاميركي.. وقد لوحظ الحذر الاميركي من تصعيد الخلافات مع تركيا عندما قررت الاخيرة القيام بحملتها العسكرية "غصن الزيتون" في عفرين وتوغلت قواتها في المدينة واحتلتها وطردت القوات الكردية منها دون ان يحرك آلاف العسكريين الاميركيين في منبج 
ساكناً . 
كانت الخطة التركية هي منع اي تمدد كردي باتجاه الحدود التركية. ارتفعت حينئذ الاصوات الاميركية باستنكار الهجوم التركي وتفاقم الخلاف اللفظي التركي الاميركي. حتى ان الرئيس التركي اردوغان أعلن في تجمع لمجموعة حزبه البرلمانية أن الادارة الاميركية اصبحت تعمل ضد كل من تركيا وروسيا وإيران فى سوريا ، وقد طالبها بسحب قواتها المرابطة في 
منبج. 
وهناك حديث عن نشر قوات فرنسية بدلا من الأميركية في مدينة منبج في وقت لاحق، على الرغم من الوجود الحالي لبعض الوحدات من القوات الفرنسية التي تقوم بدوريات مشتركة مع القوات الاميركية في المنطقة. لقد بات معلوماً ان الحل في منبج اصبح متعذراً دون إيجاد تسوية للمنطقة بكاملها الواقعة شمال سوريا. لقد ادى التحالف الكردي الاميركي إلى تحقيق حلم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وجناحه العسكري "وحدات حماية الشعب" من خلال إرساء مناطق الحكم الذاتي عبر تشكيل مجالس عسكرية ومدنية متعددة الإثنيات والانتماءات السياسية في المناطق التي يسيطرون عليها تلقى الدعم من الولايات 
المتحدة. 
ولهذا اعتبر وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف "الكيانات المستقلة ذات الحكم الذاتي" الخاضعة إلى السيطرة الأميركية بأنها "تشكّل التهديد الأساسي لوحدة الأراضي السورية". ومع ذلك اصبح متعذراً في الوقت الحالي الاستيلاء عسكرياً على هذه المناطق التي تسيطر عليها قوات كردية دون الاصطدام مع القوات الأميركية. ومما لا ريب فيه ان انفلات تركيا من الكماشة الاميركية منذ الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا عام 2016 الذي أيدته الادارة الاميركية، وإنفلاتها من تأثيرات بعض الدول الخليجية واقترابها من محور ايران وروسيا قد ساهم في حل العديد من العقد الامنية والعسكرية والسياسية على الاراضي
 السورية . 
ففي منبج وعفرين وادلب وغيرها جرت بهدوء تسويات تركية روسية سورية بمراقبة اميركية صامتة أو على مضض. ومن المفارقة ان نجد اليوم في منبج وما حولها عدد من المناطق تخضع لسيطرة كل من تركيا واميركا وسوريا والاكراد، حيث ترابط قوات تركية واميركية وسورية وكردية في مواجهة مربكة وحذرة. ومما يثير القلق ان هذه الاوضاع العسكرية الاسثنائية لقوات متعددة تخضع في نهاية المطاف الى سياسات دولها وتقلباتها، فالوئام بسبب الاتفاقات والاحتدام اذا تصاعدت الخلافات السياسية بين الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وايران وسورية، فضلاً عن التوتّرات الميدانية بين عدد من القوى المسلحة الكردية والعشائرية العربية وقوات سورية الديمقراطية وقوات الجيش السوري الحر وجبهة النصرة وجند الشام 
وداعش. 
لا يكفي ان يقال دبلوماسيا ان الوضع معقد في هذه الاماكن فلابد في نهاية الامر من عودة السيادة كاملة للدولة السورية التي من شأنها المحافظة على وحدة اراضيها واستقلالية شعبها، الذي هو نفسه يرسم معالم مستقبله ونظام بلاده.. سوريا التي خرجت من حربها امامها تحديات اجلاء القواعد الاجنبية و استرجاع كامل 
سيادتها.