محاذير زج الأطفال في التظاهرات

اسرة ومجتمع 2019/11/03
...

 
هدى الأديب
 
ما شأن التلاميذ بالمطالبات الشعبيّة أو التظاهرات؟ فمن غير المتعارف عليه ولا من أساسيات التربية والتعليم أن يشارك التلاميذ في الاحتجاجات أو الاستنكارات أو الاعتصامات أو التظاهرات الشعبية أو غير ذلك من الحملات الشعبية التي تطالب بالقضاء على الفساد، وتوفير الخدمات  وتعيين الخريجين وتفعيل دور القطاع الحكومي وغيرها.
لا شك أنّ هذه الظاهرة خاطئة ولن تكون بأي حال من الأحوال مظهراً حضارياً ولا علامة صحيّة أو صحيحة، ولا ندري أي مؤسسة تربوية أو تعليمية أو تثقيفية تسمح أو توجب تظاهر تلاميذها ولا نعرف من يتحمّل مسؤولية هؤلاء الصغار، فهم دون السن القانونية والشرعية ولا يمتلكون الاعتدال ولا النضج الفكري للحكم على موقف سياسي أو وطني أو غيره يردّدون ما يقال ولا يعرفون المقصود ولا يفقهون معناه وهم مازالوا في رعاية بيوتهم وتحت نظر معلميهم، فهل إخراجهم أمر قانوني، أم مصادرة لحقوق الطفولة وإضافة ثقل كبير لكاهل تلاميذ صغار هم في غنى عن 
حمله؟
في أغلب دول العالم يمنع اشتراك التلاميذ دون السن القانونية في أمر سياسي مهما كان، فماذا لو كان ثوريا، في هذا السن تحديدا هم بحاجة إلى مزيد من السلم والعلم، وهم بحاجة لتوظيف القدرات ولصقل المواهب ولتحسين المستويات الدراسية والعمل على إعادة البناء والتأهيل الذهني بوعي سليم وصحي يخلو من العقد والأزمات النفسية والمتوارثة على حد سواء، فهل نحن بحاجة إلى إشاعة ثقافة العنف وتجنيد الصغار وملء أذهانهم بمادة سُميّة لا تسمنهم ولن تنفع بلدهم ومجتمعهم، لا سيّما في فترة محرجة وقلقة ومضطربة كهذه؟
(ولو) على الرغم من عدم فائدتها لأنّها لا تعود علينا بأية أرباح، ولا تسفر عن نتائج خيرية لكن تبقى ويبقى السؤال (لو) لم نهدر وقتهم  بهذا التظاهرات، ماذا لو قمنا باستثماره بطريقة إيجابية و بأساليب تربوية وتعليمية في إنجاز أنشطة مدرسية في الفنون التشكيلية والموسيقى والرسم وفن الخياطة والتربية الرياضية والتربية الأخلاقية، أو تدريس أوليات الحاسبة كدرس إضافي، أو ، أو .. ماذا لو قمنا بحملة تنظيفية شاملة؟ بالتعاون ما بين الأساتذة والتلاميذ، وماذا لو عملنا ندوة حوارية لمعالجة المشاكل على المستويين التعليمي 
والتربوي؟ 
ماذا لو فكرنا بمعالجة المشكلات الصحية في المدرسة؟ وماذا لو فعلنا دور الباحث الاجتماعي بدلاً من أن يكون إدارياً يقوم بمهام ليس من ضمن عمله ومن ثمّ نسى وظيفته الأساسية؟ 
ماذا لو قمنا بتصحيح وتعديل المسارات التعليمية في كيفية شرح المواد العملية وترك الطرق الكلاسيكية ومراعاة جوانب التطور الفكري والتكنولوجي بصورة عامة ومدى تأثيره على أفكار التلاميذ، في إنشاء مختبرات وتجارب بسيطة ويسيرة لا تكلف جهداً ولا أموالاً بل تكلفنا التفاتة نابهة في طريق العلم بدلاً من العنف .... بهذا نكون قد كسرنا حاجزاً كبيراً وحقيقياً وحققنا إضافة نوعية على الصعيد الإنساني والاجتماعي والعلمي وابتعدنا عن
 العنف.
ففي الوقت الذي  نحتاج به إلى شمعة منيرة توقد لتنير الدرب، فمرة هي المعلّم المخلص والطبيب الناجح والمهندس الماهر والعالم الحقيقي، يطفئون لنا ألف مصباح ويكسرون لنا ألف قارورة عطر ويحرقون لنا عشرات الورود، لسنا بحاجة إلى مزيد من الدماء والخسائر فقد كانت الأرواح متاعا لطريقنا ودرع أمان على صدرونا وصدقة نيابة عن الباقين، أما آن الأوان لنكتفي بهذه الأخطاء؟  فلم يعد في العيون دمع، ولم يعد في الوجد متسع يناسب حجم جراحاتنا وأشجان قلوبنا.
ويبقى السؤال الأهم الأول والأخير إلى متى تُضطهد وتيّتم الطفولة؟