البدانة.. مرض العصر المهدد لصحة الصغار ونموهم
ريبورتاج
2019/11/18
+A
-A
بغداد/ فجر محمد
يجلس الصغير مرتضى كريم ذو العشرة اعوام، امام شاشة الآيباد الخاص به كالمتسمر من دون ان يبدي أي حركة او ايماءة بوجهه وتبدو آثار السمنة واضحة على وجهه وجسده الصغير، وتقول شقيقته الكبرى نورس كريم: «يقضي شقيقي الصغير ساعات امام الآيباد ووصل الحال به الى تناول وجبات الطعام الرئيسة وهو ممسك بالجهاز ما تسبب بثورة والدي وغضبه الشديد، علماً ان اخي بدأ يعاني من البدانة منذ الاعوام الاولى، اذ كان يحب تناول النشويات والسكريات وحاولنا كثيراً منعه لكن من دون جدوى}.
الباحثة بالشؤون النفسية والاجتماعية الدكتورة ندى العابدي تبين ان الكثير من الاطفال اصبحوا مدمنين على الحلويات والعصائر الجاهزة التي تحتوي على نسب عالية من الكافيين الذي يعد من المنبهات المضرة بالجهاز العصبي المركزي، لاسيما انهم في بداية اعمارهم ومراحل نموهم، علماً ان هذه الاطعمة تتسبب بالعصبية لهم، وبمقارنة هذه الاجيال بسابقتها، نلاحظ انهم يتصفون بالعنف والعصبية ورفض الانصياع لاوامر الوالدين في حين كان الاولاد في ما مضى يمتازون بالهدوء والطاعة.
تقارير عالميَّة
اظهرت التقارير والدراسات العالمية ان معظم حالات بدانة الأطفال تنجم عن سمنة أولية تعد نتاجاً لمؤثرات وراثية وبيئية، فالعامل الوراثي يؤثر بشكل كبير في كمية الدهنيات في الجسم التي ترتبط بطريقة الأكل وحرق السعرات الحرارية، بالإضافة الى ذلك تم تحديد خلل في جينات تسبب السمنة منها "الليبتين ومستقبله و مستقبل الملانوكورتين ان الزيادة السريعة في حالات السمنة تشير إلى تأثير العوامل البيئية، ففي الماضي كانت لميزة تخزين الدهنيات أهمية كبيرة في صراع البقاء في فترات المجاعة، لكن لاحقاً تحول موضوع التخزين الى مسألة سلبية تؤثر في النمو الطبيعي أو المتسارع، ولاحقاً بالبلوغ الجنسي الطبيعي أو المبكر، فضلاً عن وجود السمنة عنصراً في تاريخ العائلة.
بدايات المشكلة
يتسم الصغير مرتضى بقلة الحركة، اذ تبين شقيقته نورس هذا الامر بالقول:"منذ ان خطى خطواته الاولى وهو لا يحب الحركة بل يفضل الجلوس في مكانه ومراقبة شاشة التلفاز او اجهزة الآيباد التي يلعب بها اشقائي الاخرون، بينما يتسم اقرانه بحبهم للحركة والرغبة بالقفز هنا وهناك، اما هو فكانت شاشة الآيباد تستهويه بشكل واضح.
وتوضح العابدي ان الاطفال في السنوات الاولى من اعمارهم غالباً ما يتمتعون بالنشاط والحيوية ويحبون اللعب والاختلاط بأقرانهم، ويفضل ان تتوفر لهم المساحات الواسعة كالحدائق لكي يأخذوا راحتهم ويمارسوا نشاطاتهم بحرية اكبر ولكن نتيجة ازمة السكن الحاصلة وبناء البيوت ضمن مساحات صغيرة وبالنتيجة حُرم الصغار من اللعب في فضاءات مفتوحة.
تغذية خاطئة
يضع الصغير مرتضى امامه صحوناً من الحلويات والشيبس ويتناولها بنهم واضح، وبينما هي ممتعضة وتحاول منعه تقول شقيقته:
"حاولنا منعه من استهلاك كميات كبيرة من الحلويات والشيبس والمشروبات الغازية ولكن عبثاً كانت محاولاتنا، فهو مولع بها جداً ويرفض تركها او التقليل من استهلاكها لدرجة تسببت له في مراحله العمرية الاولى بالتسوس الحاد في الاسنان".
طبيب الاسرة والمجتمع الدكتور احمد الرديني يجد ان مشكلة بدانة الاطفال واحدة من المشكلات الصحية التي قد تكون لاحقاً سبباً لحالات مرضية آنية او مستقبلية تحتاج الى عناية واهتمام خاصين، ويجد المختصون انها اصبحت مشكلة شائعة في العراق والبلدان التي يكون فيها دخل الفرد كافياً لدرجة ان رب الاسرة يضع الحلويات والوجبات السريعة في قائمة المشتريات، فضلاً عن قلة ممارسة الرياضة وهذا ينطبق على صغار السن ايضاً، اذ من الضروري التعود على الرياضة وممارستها بشكلها الصحيح.
وجبات صغيرة
وتتحدث نورس عن النظام الصحي لشقيقها بالقول:
"بعد ان لاحظنا زيادة وزنه بشكل ملحوظ جداً، وفي احد الايام خرجنا بنزهة، فكان بطيء الحركة بل انه واجه صعوبة في صعود السلالم مقارنة بأقرانه، لذلك حاولنا جهد الامكان ان نعد جدولاً ونظاماً غذائيين كي يفقد الزائد من
وزنه".
الباحثون بشؤون التغذية اكدوا ان تناول السكريات التي تتواجد بشكل كبير في الحلويات والعصائر المعلبة يعمل على زيادة الوزن بشكل كبير ومضر، وفي فترة النمو لابد ان يتغذى الطفل بشكل صحي ومتوازن، اذ لابد ان تتواجد الخضراوات والفواكه على مائدة الطعام كي يعتاد على تناولها بشكل متوازن، فضلاً عن ضرورة تقسيم طعام الصغار على وجبات متعددة وصغيرة كي تأخذ اجسامهم ما تحتاجه من طاقة ليتمتعوا بالحيوية والنشاط.
بينما اشار الرديني الى ان البدانة قد تكون نتيجة الاضطراب الهرموني والايض الغذائي ايضاً، لذلك لابد من متابعة نمو الطفل والاعتماد على مؤشرات البدانة عن طريق الكشف عن معامل كتلة الجسم التي تعطي الوصف الكامل للحالة بالمقارنة
مع الطول.
الالعاب الالكترونيَّة
و تحمل العابدي الاهل المسؤولية الاكبر في تعود الاطفال على الالعاب الالكترونية لدرجة كبيرة حتى وصل الحال بهم ان يصبحوا مدمنين صغاراً عليها، ففي احيان كثيرة عندما ينشغل الوالدان عن اولادهم سواء بالعمل او باشياء اخرى فهم يفضلون سد النقص الحاصل لدى صغارهم بابتياع الالعاب والاجهزة الذكية وبمرور الوقت يعتاد الاطفال عليها ويرفضون الاستغناء
عنها.
الاخصائي في طب الاطفال الدكتور محمد الياسري اوضح ان هناك هرمونات في الجسم تتحكم بالفعاليات الحيوية ومن اهمها هرمون النمو الذي يتأثر احياناً بالاستخدام المفرط وغير المقنن للتطبيقات والهواتف المحمولة بشكل عام، كذلك التعود على النوم المتأخر الذي اصبح يحرمهم من فرصة الحصول على نمو طبيعي، وذلك لان الهرمون المسؤول عنه يبداً نشاطه المعتاد في الساعة التاسعة او العاشرة ليلاً وهو الوقت الذي من الواجب ان يخلد فيه الطفل الى النوم، ولكن العناد والتشبث بالرأي من قبل الصغار هذه الايام اصبح يحرمهم من النمو والتطور الذهني والعقلي، يضاف الى ذلك ضرورة الاهتمام بالتغذية الصحية والجيدة لينموا بشكل طبيعي وصحي ايضاً.
التشخيص الصحيح
وتتابع نورس حديثها عن شقيقها قائلة:"كانت الايام الاولى لارتياده المدرسة من اصعب اللحظات، اذ اصبح محطاً للسخرية والاستهزاء من قبل اقرانه الصغار، وفي كثير من الاحيان كان يستمر بالبكاء حتى عند عودته من المدرسة، اذ غالباً ما يتعرض للسخرية من قبل اقرانه منذ ايامه الاولى واستمر الحال لفترات طويلة، لذلك لطالما حاول ان يقلل من استهلاكه للحلويات
والسكريات".
الرديني لفت الى ان البدانة من المؤشرات التي لابد من اخذ الحيطة والحذر منها لانها قد تكون بوابة لاصابة الطفل بامراض خطيرة مستقبلاً منها نفسي عندما يتعرض لانتقادات الآخرين، لاسيما عندما يكون غير قادر على اللعب معهم ومجاراتهم بنشاطاتهم العديدة، ما يدفعه الى التخلص من هذه المضايقات باللجوء الى الاطعمة غير الصحية ما يؤدي الى ارتفاع نسبة الكولسترول في دمه، فضلاً عن زيادة مقاومة الانسولين وبالتالي اصابته بالسكري، كما ان الاطفال البدينين معرضون في المستقبل الى الاصابة بقلة الخصوبة في فترة البلوغ.