اسطنبول / فراس سعدون
وجهت أنقرة انتقادات حادة لمواقف الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من قضية مقتل جمال خاشقجي، الصحفي والمعلق السياسي السعودي، داخل قنصلية بلاده في اسطنبول أوائل الشهر الماضي، في حين بدت أنقرة نفسها أقل حدة إزاء التعاطي مع الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، وهي تبقي إمكان عقد لقاء بينه والرئيس التركي رجب طيب إردوغان “احتمالا قائما”، على هامش قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين أواخر الشهر الحالي، متجاهلة جميع الاتهامات التي وجهها مستشارون لإردوغان وصحفيون مقربون منه لولي العهد السعودي بصفته “الآمر بقتل خاشقجي”.
انتقادات تركيا للغرب
وقال مولود جاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي، في مقابلة مع قناة (سي.إن.إن ترك) التلفزيونية الجمعة: إن “التصريحات التي أطلقها (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب تعني أنه مهما حصل فإنه سيتعامى عن هذه القضية، وهذا ليس موقفا صحيحا، لا تتعلق كل الأمور بالمال، ولا ينبغي لنا أن نبتعد عن قيم الإنسانية. المسألة هنا تتعلق بنفس أزهقت”.
وتعهد ترامب، الثلاثاء الماضي، بأن يبقى شريكا راسخا للسعودية، مصرّحا “نريد أسعار نفط منخفضة، والسعودية قامت حقا بعمل جيد في هذا الصدد”.
ووصف وزير الخارجية التركي رد فعل الاتحاد الأوروبي على قتل خاشقجي بأنه “شكلي”، بعد يوم من توضيح فيديريكا موغيريني، مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد، الموقف الأوروبي من مقتل خاشقجي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع جاووش أوغلو في أنقرة.
وقالت موغيريني: إن “موقف الاتحاد الأوروبي واضح جدا منذ البداية، ودعونا دائما لإجراء تحقيق شفاف تماما وذي مصداقية، وهو ما نرى أنه لم يستكمل بعد”، متوقعة “ضمان المحاسبة، وهو ما يعني أنه يجب محاسبة المسؤولين عن جريمة القتل المروعة هذه”.
وفرضت فرنسا، بعد ألمانيا، حظر السفر إلى “دول شنغن” على 18 سعوديا لهم علاقة بقتل خاشقجي، من دون إعلان الأسماء، بينما علقت الدنمارك، بعد ألمانيا أيضا، الموافقات على تصدير الأسلحة والذخيرة العسكرية للسعودية.
الموقف التركي الجديد من ولي العهد السعودي
وجدد وزير الخارجية التركي ما صرح به إبراهيم كالن، المتحدث باسم إردوغان، عن عدم وجود مانع للقاء بين الرئيس التركي، وولي العهد السعودي، في قمة مجموعة العشرين الأسبوع المقبل، لافتا إلى أن ابن سلمان أبدى رغبته بهذا اللقاء في اتصال هاتفي مع إردوغان.
وقال جاووش أوغلو: “لا عائق لعقد لقاء بين الرئيس إردوغان وولي العهد السعودي، وفي حال ورود طلب من الأخير يمكن عقد هذا اللقاء، والتقدير عائد لرئيس جمهوريتنا”، مضيفا في حال تحقق اللقاء أن “رئيس بلادنا سيطلع ولي العهد كما فعل من قبل في مباحثاته الهاتفية على أفكارنا والنتائج، بما فيها المعلومات والوثائق التي توصلنا إليها خلال هذه المرحلة (بشأن مقتل خاشقجي)”.
وصرّح إردوغان أكثر من مرة بأن أمر قتل خاشقجي صدر من أعلى المستويات في السعودية، مستبعدا الملك سلمان بالاسم دون ابنه.
وعلق جاووش أوغلو “في تصريحاتنا بخصوص الجريمة لم نذكر أي اسم باستثناء تصريحات الرئيس التركي التي قال فيها بأنه يعتقد أن الملك سلمان ليست له علاقة بالجريمة، وأنها لم تنفذ بتعليمات منه، ولكن التصريحات الأميركية، وخاصة تصريحات ترامب، هي التي أفادت بأن ولي العهد السعودي يمكن أن تكون له علاقة بالجريمة، ويمكن أن لا تكون له علاقة بالجريمة، وقد بدت تصريحات مثيرة بالنسبة لنا”، متابعا “لا نعرف على أي أساس أدلى بهذه التصريحات... لا نستطيع اتهام شخص واحد دون دليل قاطع. هذا ليس صائبا”.
ورفض الوزير التركي ربط العلاقات مع السعودية بشخص واحد، بينما نفى الاطلاع على ما تداولته الصحافة التركية بخصوص وجود تسجيل أميركي يدين ولي العهد السعودي في قتل خاشقجي.
وقال: “لا نعرف ما إذا كان بيد الاستخبارات الأميركية تسجيل من عدمه، وهم لم يطلعونا على أي شيء”.
وكتب عبد القادر سلفي، الصحفي التركي المعروف بنشر تسريبات ومعلومات خاصة، في صحيفة حريت الواسعة الانتشار: “يقال إن ولي العهد أصدر أوامر بإسكات جمال خاشقجي بأسرع وقت ممكن” في مكالمة هاتفية سجلتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية بين ولي العهد السعودي وشقيقه السفير لدى واشنطن.
وأردف سيلفي “يقال إن مديرة وكالة المخابرات المركزية الأميركية جينا هاسبل لمحت لذلك خلال
زيارتها لتركيا”.
تفسير الموقف التركي الجديد
ورأى ماهر الحمداني، الباحث المتخصص في الشؤون التركية، أن الحديث عن لقاء إردوغان مع ابن سلمان “كان مستحيلا وخطا أحمر قبل 20 يوما، وهو محاولة لتهيئة الرأي العام، ورسالة للسعوديين أن تعالوا نلتقي وتكلموا معنا”.
وعزا الحمداني ذلك، في حديث لـ”الصباح”، إلى أن “الأتراك لا يريدون أن تسبقهم الأحداث، وبالتالي لا يريدون أن تذهب هباء كل الضجة والاستثمار في قضية خاشقجي”. وأوضح أن الأترك إذا رأوا أن القضية لا يمكن أن تزيح ابن سلمان فسيتعاملون معه كأمر واقع، مع أنهم يتمنون إزاحته، مثل ما هو مخطط، ومجيء شخصية يريدها اللوبي التركي داخل السعودية”، مستدركا “لكنهم أيقنوا أن ابن سلمان باق، وأن المصالح أكبر بكثير من ضربها لمجرد قتل صحفي، والقول الفصل دائما للمصالح”.
وعدّ الباحث الموقف التركي الجديد “إدانة للأتراك الذين كانوا يتكلمون بلسان مختلف، وهم وإن لم يقولوها مباشرة، ولكن عبر وسائل الإعلام التركية والعربية الموجودة في تركيا والمقربة من إردوغان، كانوا يتهمون ابن سلمان بقتل خاشقجي”.