وجع الكتابة

ثقافة 2018/11/24
...

 حميد المختار
كتاب مهم من كتب السارد الكبير الراحل مهدي عيسى الصقر، عملاق السرد الذي ترك إرثاً ضخماً ومهماً للسردية العراقية وللعالم، وها هو يدوّن في هذا الكتاب مايراه سيرة سردية او مذكرات يمكنها أن تقدم صورة واضحة وجليّة للقرّاء الذين يهمهم أن يعرفوا شيئاً عن حياة هذا الكاتب الكبير وعن طريقة تفكيره واسلوب كتابته، حين اقترح عليه صديقه الناقد المعروف الدكتور عبد الإله أحمد مايشبه المقدمة يردُّ فيها عن التساؤلات التي قد تخطر ببال القارئ، والاسئلة هي كما يكتب الصقر في مقدمته المقترحة من قبل صديقه:- كيف كان مسار التجربة القصصيّة ومارافقها من متاعب منذ أن شرع في كتابة هذا الكتاب عام 1986 ؟، - لماذا اتجه الى كتابة القصص القصيرة ثمّ ما سبب الصمت عن الكتابة عام 1960 وما هو الدافع للعودة اليها بعد تسع سنوات؟، ولماذا الانعطاف نحو الرواية بعد التركيز على كتابة القصّة القصيرة في المرحلة الاولى؟، ماهو الغرض من كتابة هذه اليوميات ونشرها؟. 
وقد استطاع كاتبنا الكبير أن يسترسل مجيباً عن كلّ تلك الاسئلة ولا يكتفي في الاجابة بل اباح لنفسه ان يكشف – في شيء من الجرأة – عن بعض المحطات والمنعطفات في حياته الادبية والاجتماعية الخاصة، وقد تطورت الاجابة حتى صارت كتاباً يمكننا ان نعتمد على قراءته لمعرفة خفايا وأسرار كتابة وافكار هذا السارد الكبير، ان مهدي عيسى الصقر واحد من اساطين السرد العراقي منذ خمسينيات القرن المنصرم وحتى يوم وفاته، إذ بدأ حياته الادبية بمجموعة (مجرمون طيبون) سنة 1954 و(الشاهد والزنجي) التي صدرت عام 1988 في السنة التي انتهت فيها الحرب العراقية الايرانية يتنبّأ بشيء عجيب جداً حيث يدخل الجيش الاميركي العراق!، كيف ولماذا ومتى..؟ 
لا احد يدري ما هو المبرّر الواقعي لهذا الحدث التنبّؤي، ايضاً لايمكن لاحد ان يجيب، يقوم جندي اميركي زنجي باغتصاب البطلة في محافظة البصرة وهي الثيمة المركزية لهذه الرواية.. 
ثمّ أنه يكتب عن بدر شاكر السيّاب رواية من أجمل رواياته السيرة الممتلئة لوعة وحزناً وفناً وجمالاً هي رواية (اشواق طائر الليل) التي صدرت عام 1994 وهي عبارة عن منولوغ طويل للسياب وهو على سرير الموت يقول الصقر: إنّه يسمح لاصدقائه بقراءة مسودات كتبه ليستفيد من الملاحظات، وها هو يستشهد بقول (بوريس ماسترناك) الذي يقول: ان تكتب هو ان تعذّب نفسك، لكنّني لا امتلك القوة على الكف .. 
قد يكون الموت سبباً في الكف عن الكتابة لكن الكتابة لن تكف عن ذكر هذا السارد 
الكبير ....