د. قيس العزاوي
تعددت مصادر القرار السياسي والمؤسسات الامنية ووسائل الاعلام الاميركية التي تدين بشدة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وضلوعه في جريمة قتل وتقطيع واذابة جسد المعارض السعودي جمال خاشقجي وتحمله مسؤولية تشويه سمعة السعودية دولياً. ومن الملاحظ ان هذه الادانة الاميركية تراوحت ما بين التهديد بايقاع العقوبات على السعودية كبلد حليف، كما قال الرئيس الاميركي ترامب في مقابلة مع "سي.بي.إس" بإنه "سيكون هناك عقاب شديد للسعودية ووصف قتل خاشقجي بأنه "مروع ومثير للاشمئزاز" وما بين توجيه الادانة الى ولي العهد محمد بن سلمان شخصياً حيث وجه بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، الكلام له قائلاً: "لا يمكنك قتل الصحفيين كيفما تشاء"، ووعد بفرض عقوبات على ابن سلمان نفسه وطلب من السعوديين ابعاده عن السلطة. ما بين التهديدين يبدو ان الافضلية الاميركية هي محاولة ابعاد محمد بن سلمان والاحتفاظ بمحالفة السعودية. وعلى الرغم من تعاطف الرئيس الاميركي ترامب وصهره جاريد كوشنير مع ولي العهد السعودي فإن ترامب لا يمكنه التغاضي عن مطالبة 22 عضواً بمجلس الشيوخ باستخدام "قانون ماغنيتسكي" الخاص بتحديد هوية من ينتهك حقوق الإنسان، المسؤول عن جريمة قتل خاشقجي وفرض عقوبات عليه. وقد اتفقت المخابرات الاميركية والتركية على انه ولي العهد السعودي، وهذا ما أكدته بعد عودتها من السعودية كريستين فونتروز مسؤولة العلاقات مع السعودية في البيت الأبيض وقدمت استقالتها. إن الاجهزة الامنية والبحثية الاميركية التي تمسك بزمام امور العلاقات والتحالفات الدولية باتت تعدد سقطات ابن سلمان على الشكل التالي :
* جلب ابن سلمان بفعل سياسته المتهورة الاهتمام الدولي بما يجري من امور داخلية في السعودية كانت خافية على الاعلام الدولي. فعلى سبيل المثال رحب العالم بسماحه للمرأة السعودية بقيادة السيارة، لكنه أحبطه بإلقائه القبض على المحتفلات باقتراب موعد قيادة النساء العاملات في مجال حقوق المرأة، متهماً أياهن بالتخابر مع قوى أجنبية!! وهو ما أثار سخرية العالم، ومن المؤسف إنهن اليوم قابعات في السجن على الرغم من تصاعد حدة الاستنكارات الدولية ومنظمات المرأة وحقوق الانسان.
* استحوذت السعودية بعهده على الاهتمام الاقليمي والدولي، إذ قال بأولوية حربه ضد إيران وحلفائها، ولكنه تورط في حرب لا طائلة منها في اليمن افقرت اليمنيين وهجرتهم وعرضت آلافا مؤلفة منهم وبخاصة الاطفال للفاقة والامراض والمجاعة مما اثار التعاطف الدولي معهم وصعد حملة ادانة القصف الجوي السعودي .
* اخفاقه في إدارة الحملة الدولية ضد ايران واعتبارها العدو الرئيس والتقرب من اسرائيل، فقد فشل في استدراج الرأي العام العربي والاسلامي لعقد الصلح مع اسرائيل. وهو ما أربك الرأي العام السعودي ولاحظه الباحث الاميركي ديفيد بولوك في زيارته الاخيرة للسعودية حين ذكر لقد "رأيت بنفسي أن السعوديين اليوم يتناقشون بحرية في مميزات وعيوب التعاون الوثيق مع إسرائيل ضد إيران". وقد اثار التقرب السعودي من اسرائيل الشارع الفلسطيني والخليجي والاسلامي. ومما زاد الطين بلة فقدان السعودية تعاطف تركيا التي بدأت بمحالفة ايران بدل
محاربتها.
* استنكرت الاوساط الدولية إقصاءه للمعارضين وان كانوا مقربين من السلطات ومنعهم من حقوقهم بما فيها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واعتقال العديد منهم. ومراقبة اجهزته الامنية للسعوديين الذين يخافون مناقشة مواضيع متعلقة باليمن وقطر وإيران - كما تؤكد السفيرة الاميركية باربارا ليف- "خشية من أن تعتبر الحكومة المواطن شخصًا مثيرًا للمشاكل وخائنًا وتنزل به عقابًا مناسبًا إذا ما كشف عن رأيه". * ارتكابه لمهزلة توقيف مئات من رجال الاعمال السعوديين ذوي السمعة الدولية وارتباطاتهم الاميركية في فندق ريتز بالرياض وابتزازهم مالياً بينما كان يمكنه- كما يقول ديفيد بولوك (معهد واشنطن)- الضغط عليهم وعلى أفراد العائلة المالكة "الفاسدين" لاعادة بعض الاموال من دون التورط بمسرحية ريتز المخجلة.
* ارتكابه لاسخف اختطاف في التاريخ السياسي العالمي حين اوقف رئيس وزراء لبنان سعد الحريري واجبره على الاستقالة وحجزه في الرياض، مما استدعى تدخلاً دولياً لاطلاق سراحه .. نتج عن هذا الاختطاف فضيحة اعلامية كبرى أضرت كثيراً بسمعة
السعودية.
* حصاره غير المجدي لدولة قطر مما جعله يتعرض لاكبر حملة اعلامية من قبل قناة الجزيرة العربية والانكليزية التي كشفت للرأي العام خفايا واسرار ولي العهد وتبذيره لمليارات الدولارات على عقود واستثمارات ارتجالية غير مدروسة.
* افتعاله لأزمة النزاع مع كندا، فعلى اثر تغريدة للسفارة الكندية في الرياض طلبت فيها "الإفراج " عن ناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان موقوفين في المملكة، اتخذت السعودية قرارات خطيرة لا تتلاءم مع حجم الحدث، اذ استدعت سفيرها من العاصمة الكندية وطردت السفير الكندي، ثم قامت بتجميد التعاملات التجارية والاستثمارات الجديدة بين البلدين، كما اوقفت رحلاتها الجوية من وإلى كندا. لقد قامت بحملة اعلامية كبرى ضد كندا اغضبت حلفاءها الاميركيين
والاوروبيين . * جاءت حادثة اغتيال وتقطيع اوصال الصحافي في جريدة"واشنطن بوست"جمال خاشقجي في اسطنبول لكي تسكب الزيت على النار في الاوساط الدولية، لاسيما
الاميركية.
* الكشف مؤخراً عن محاداثاته لشراء اسلحة روسية مما أغضب المسؤولين الاميركيين.
لقد اسهمت كل تلك السقطات في التعجيل بقرار التخلي الاميركي التدريجي عن ولي العهد السعودي، لكي لا تتعرض المصالح الغربية والمصالح السعودية ايضاً لمخاطر غير محسوبة قد تؤدي الى انهيارات لا تحمد عقباها. ومن الآن، فإن المشاريع الكبرى وصفقات القرن والاستثمارات الاجنبية في السعودية - وفقاً للمصادر الاميركية- قد بدأت بالانهيار بعد أن فقد العالم الثقة بجدية السياسة السعودية في عهد ابن سلمان وجدارته.