مرض الثلاسيميا.. أعدادٌ كبيرة من المصابين والقليل من المعالجين
ريبورتاج
2019/12/16
+A
-A
بغداد/ بشير خزعل
لا توجد احصائية رسمية دقيقة لعدد مرضى الثلاسيميا في البلاد، ولكن تشير بعض الارقام الى وجود اكثر من 29 الف مصاب، في حين تذهب ارقام تخمينية اخرى الى وجود 22 الف مصاب وارقام اخرى تذهب الى ابعد من ذلك بكثير او بثلاثة اضعاف على الاقل ، الدوائر الصحية المختصة في مركزي مستشفى الكرامة في جانب الكرخ، ومستشفى ابن البلدي في الرصافة ، تعاني زخماً ونقصاً في الادوية ، الامر الذي ادى بالأسر الميسورة الى ان تستورد العلاج (الحقن والحبوب ) من الخارج، اما الأسر الفقيرة فتنتظر للحصول على العلاج من المستشفى على حساب صحة ابنائهم المرضى بسبب تأخر العلاج عن المدة المقررة طبياً .
نقص الأدوية لمرضى الثلاسيميا من الحقن والحبوب في اغلب المستشفيات لم يؤمن حصول المرضى على العلاج بشكل دوري منتظم ، الامر الذي ادى الى مضاعفات صحية خطيرة على حياة المصابين .
معاناة
علي محمد طفل في الثامنة من عمره مصاب بمرض الثلاسيميا ويحتاج كل شهر تقريباً الى عملية نقل دم وعلاج لتفادي تدهور صحته بشكل خطير ، وهو مستمر على هذا العلاج منذ اكثر من 3 سنوات ، يقول والده: نواجه صعوبة في الحصول على العلاج في اغلب الاوقات بسبب عدم توفره في المستشفيات، وخصوصاً الحقن ، فهي غالية الثمن ولا يمكن ايجادها في الصيدليات لانها تستورد لصالح المستشفى المتخصص فقط ، وبسبب حاجة المريض الى العلاج كل 20 يوماً تقريباً او شهر يشهد مستشفى ابن البلدي زحاماً كبيراً من قبل المصابين وذويهم، فاغلبهم اطفال ولا يتسع المستشفى لعلاج الجميع لان قسماً صغيراً من المستشفى مخصص لمرضى الثلاسيميا، وفي حال عدم توفر العلاج يواجه المريض خطر الموت ويظل يعاني من عدم قدرته على الحركة وممارسة نشاطه البدني لحين الحصول على العلاج .
ام احد الاطفال المصابين اشارت الى مدى الاهمال في المستشفيات الحكومية وعدم رعاية المرضى بشكل صحيح ، اذا تقول سارة عبد اللطيف : ان ابنها 11 سنة كان حاملاً للمرض، لكن صحته تدهورت بعد تعرضه لحادث كسر ساقه بسبب سقوطه من سياج البيت، ومنذ 6 سنوات يتابع العلاج في المستشفى.
واكدت انها تواجه صعوبة ومعاناة كبيرة بسبب التزاحم على اكياس الدم المخصصة للمصابين وفي الحصول على الادوية وفي احيان كثيرة لايوجد علاج .
مراكز
توجد مراكز متخصصة عديدة في المحافظات ، لكنها ليست بالمستوى المطلوب للعناية والعلاج والمركز الأكبر هو قسم الثلاسيميا في مستشفى الكرامة التعليمي في بغداد والذي يستقبل المرضى من العاصمة وباقي المحافظات ، لكنه هو الاخر يواجه زخماً كبيراً بسبب تزايد اعداد المصابين وقلة الكوادر والاجهزة الطبية ، الطبيب خليل ابراهيم اخصائي امراض الاطفال قال: الحاجة ملحة الى مستشفى تخصصي بامراض الدم وليس مجرد اقسام ضمن مستشفيات الولادة او المستشفيات العامة ، فاعداد المصابين وان اختلفت ارقامها بين 25 الى 50 الف مصاب او حتى اكثر من هذه الارقام بكثير ، فهذا النوع من المرض يحتاج الى متابعة وعلاج لفترات طويلة ولايمكن ان تكفي اقسام صغيرة ضمن مستشفيات اخرى بتقديم الخدمة الطبية لهؤلاء المرضى واغلبهم من الاطفال ، ولذلك لابد من وجود مستشفى متخصص وكبير يستطيع ان يقدم الخدمة الصحية عن طريق كوادر فنية وطبية متخصصة بأمراض الدم
واضاف خليل: وزارة الصحة غير قادرة على توفير العلاج بشكل يومي لهذا العدد الكبير من مرضى الثلاسيميا، كما ان العلاج النهائي للمرض والمتمثل بعمليات زرع نخاع العظم غير متوفرة في العراق بالوقت الحاضر، وهو ما أدى إلى استنـزاف الموارد المالية والبشرية لوزارة الصحة في علاج أعراض المرض.
الطبيب سلمان الربيعي اكد ضرورة اجراء الفحوصات الطبية للمتزوجين الجدد ، وادخال فحص مرض الثلاسيميا ضمن عقد الزواج وان تلزم المحكمة المتزوجين باجراء الفحص بعد انتشاره بصورة كبيرة في اغلب المدن العراقية ، فبسبب عدم اجراء الفحوصات الطبية تكون الضحية طفلاً يعاني لسنوات طويلة وقد يفارق الحياة بسبب شدة الاصابة ، وهذه المآسي تحدث في فئات اجتماعية متنوعة وكثيرة ولا تقتصر على المجتمعات الفقيرة او الريفية ، كما لا يجوز استثناء أحد بذريعة انعدام المرض في العائلة أو القرابة أو العشيرة لأن هذا المرض ربما يظهر بعد اربعة او ستة أجداد في حال زواج من يحمل المرض باخر مصاب بالمرض
نفسه.
مشروع
دائـرة صحة الرصافة فعلت المشروع الوطني للثلاسيميا، وكشفت عن عزمها شراء الاجهزة الخاصة من اجل الحد من الاصابات بهذا المرض ، مدير عام الدائرة التابعة لوزارة الـصـحـة والـبـيـئـة الـدكـتـور عـبـد الغني سعدون الساعدي قال : ان دائرته تعمل على تفعيل المـشـروع الـوطـنـي للثلاسيميا، لاسـيـمـا ان الــعــراق مـن ضـمـن بـلـدان منطقة الـشـرق الأوســط الـتـي تسجل فـيـهـا نـسـبـة اصــابــات مـرتـفـعـة عـن غيرها. واشار الى اهمية اكتشاف الحالات من خلال الاجهزة الحديثة، مفصحاً عن عـزم دائـرتـه شــراء الاجـهـزة الخاصة بالمرض من اجـل تقليل نسبة الاصـــابـــة بـــه، مـــؤكـــداً فـــي الــســيــاق ذاتــه اهـمـيـة تـوعـيـة المـواطـنـين لاجــراء الـفـحـوصـات قـبـل الـــزواج لان المـرض يـصـنـف الـــى الـثـلاسـيـميـا الـصـغـرى والكبرى، مشدداً على أهمية الاهتمام بالجانب الـتـوعـوي مـن خـلال متابعة فحص المقبلين على الـزواج ومراجعة الإحــصــائــيــات لــلــذيــن تــم فـحـصـهـم ونـسـبـة اكـتـشـاف الـحـالات المـرضـيـة، كون اكتشافه المبكر يوفر الكثير من العلاج. وبين الساعدي ان دائرته تعمل على تفعيل مـوضـوع الكشف المبكر بشأن المــرض، لاسيما ان اعــداد المسجلين فـي صحة الـرصـافـة الذين يــعــالــجــون شــهــريــاً فــي المـسـتـشـفـى كـبـيـرة جــداً، ولابد من بـذل اقـصـى الـجـهـود لـلـوصـول الــى جـودة الخدمات المقدمة للمرضى المصابين ومتابعة الـخـدمـات الطبية والصحية المـتـعـلـقـة بــذلــك، مــؤكــداً تـقـديـم كـامـل الــدعــم مــن دائــرتــه لـلـمـسـتـشـفـى من اجـــل تــحــســين مــســتــوى الــخــدمــات والارتـــقـــاء بــالــواقــع الــصــحــي نـحـو الافضل.
اختصاص
طبيب في مستشفى ابن البلدي (رفض ذكر اسمه) لانه غير مخول بالتصريح قال : مرض الثلاسيميا هو خلل وراثي انحلالي، يؤدي إلى نقص حاد في إنتاج بروتينات خاصة في الدم تسمى (الغلوبين)، وهي المكون الرئيس (للهيموغلوبين) الموجود في خلايا الدم الحمراء، ومادة الهيموغلوبين مسؤولة عن حمل الأوكسجين من الرئتين إلى مختلف أجزاء الجسم، وبالنتيجة يؤدي نقص الهيموغلوبين إلى فقر الدم (أنيميا)، وتكسر سريع في خلايا الدم الحمراء، ونقص كمية الأوكسجين التي تصل الى أجزاء الجسم المختلفة ، ويؤثر مرض الثلاسيميا في عمر خلايا الدم الحمراء، إذ تحصل طفرة في مكونات الهيموغلوبين، ما يؤدي إلى تكسر هذه الخلايا. ويحاول الجسم تعويض النقص عن طريق زيادة التكاثر وبالنتيجة يصبح الكثير من عظام الجسم مصنعاً للنخاع العظمي، ما يؤدي إلى انتفاخ جمجمة الرأس وتضخم الطحال والكبد.
واضاف الطبيب: نحن بحاجة الى كوادر طبية ومختبرية متخصصة ، لان اعداد المرضى ليست بالقليلة وهي في تزايد بمعدل سنوي ، ولم تعد الاقسام الخاصة بمرض الثلاسيميا ضمن المستشفيات العامة تقدم خدماتها بشكل سلس ومريح ، والطرفان ، المريض والطبيب متضرران من الضغط الكبير بسبب كثرة المراجعين والزحام على الطبيب والمختبر ، فالمريض يعاني معاناة كبيرة ،لاسيما ان اغلب المصابين من الاطفال ويقفون في طوابير الانتظار لساعات في قاعات غير نظيفة ولا تتوفر فيها ابسط مقومات الراحة لمريض لايقوى على الوقوف، مع شح العلاجات والادوية الذي يضطر الموسورين فقط للسفر من اجل شرائها من الخارج ، ولذلك على الدولة ووزارة الصحة ان تضعا خططاً لبناء مستشفيات تخصصية واهمها مستشفى تخصصي كبير لامراض الدم ليس في بغداد فقط وانما في باقي المحافظات ايضاً .
زواج القاصرات
الباحثة الاجتماعية هناء فاضل قالت :الكثير يأتي الى المحكمة لاغراض تصديق عقود الزواج التي تم عقدها عند رجال الدين قبل سنتين او ثلاثة ، وهذا الامر مخالف للقانون ، لان المحكمة لا تصدق عقود الزواج المخالفة للقانون ، فعند الزواج خارج المحكمة لايخضع الزوجان للفحوصات الطبية واهمها فحص الدم الخاص بالامراض الانتقالية ، ولذلك نرى ان الاصابات بمرض الثلاسيميا في تزايد بسبب ان الطرفين حاملان للمرض او احدهما ومن دون اي علاج قبل الزواج، الامر الذي ادى الى ارتفاع نسبة المصابين بهذا المرض .