باريس / وكالات
في سبت الاحتجاج الثاني على التوالي الذي تقوده حركة «السترات الصفراء» احتشد عشرات الآلاف من العمال والمتقاعدين والعاطلين في العاصمة الفرنسية باريس للاحتجاج على ارتفاع تكاليف الوقود والسياسات الاقتصادية للرئيس إيمانويل ماكرون.
وبينما عززت باريس تحشيداتها الامنية للتصدي لاعمال شغب متوقعة، اغلقت برج ايفل ليوم امس لتداعيات امنية، تخشى قوات الأمن أن يتسلل متطرفون من أقصى اليسار واليمين المتطرف إلى التظاهرات، مما يزيد تحديات السيطرة على الجماهير.
وقال دينيس جاكوب الأمين العام لاتحاد الشرطة البديلة إن قرابة 30 ألف شخص احتشدوا في باريس وحدها.
ومنعت مديرية الشرطة في باريس من التجمع في الساحات القريبة من المؤسسات العمومية على غرار قصر الإليزيه وقصر الحكومة ووزارة الداخلية ومجلس الشعب، فيما قالت بلدية باريس إن نحو ثلاثة آلاف شرطي تم نشرهم في المدينة.
في الوقت نفسه استخدمت الشرطة الفرنسية الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه ضد المتظاهرين إثر تجمعهم في جادة الشانزليزيه، وحاول المحتجون الوصول إلى «ساحة كونكورد»، ومنعت قوات الأمن المتظاهرين من الاتجاه نحو قصر الاليزيه، ودفعتهم باتجاه قوس النصر
استطلاع للرأي
وبينما تتواصل الاحتجاجات كشف استطلاع للرأي أجراه معهد «بي في آ»، تأييد 72 بالمئة من الفرنسيين مطالب «السترات الصفراء» الغاضبين من زيادة رسم للبيئة أدى إلى ارتفاع أسعار المحروقات.
ومع أن طريقة التحرك تثير انقساما بين الفرنسيين -- 52 بالمئة يؤيدون و46 بالمئة يعارضون تشكل الحركة غير السياسية وغير النقابية تحديا حقيقيا للرئيس إيمانويل ماكرون الذي لم يبد حتى الآن أي رغبة في تخفيف وتيرة إصلاحاته من أجل «تغيير» فرنسا.
لكن الرئاسة الفرنسية أعلنت أن رئيس الدولة سيطلق الثلاثاء «توجيهات للانتقال البيئي»، مؤكدا أنه «تلقى رسالة المواطنين».
آراء مثقفة
في السياق نفسه قال عدد من كتاب الافتتاحيات بخصوص الاحتجاجات إن الهدف هو تجنب إحداث «شرخ» بين الفرنسيين، وكتب نيكولا شاربونو في صحيفة «لوباريزيان» أن «الشرخ هو عندما لا نعود نصغي إلى بعضنا ولا نحترم بعضنا وهذا هو أكبر خطر اليوم».
أطلقت الدعوة إلى «الفصل الثاني» في باريس امس السبت عبر شبكات التواصل الاجتماعي القناة الرئيسة لهذه الحركة الاحتجاجية، لكن كما حدث في نهاية الأسبوع الماضي، لم يعلن عن أي تجمع.
وفي أجواء الغموض هذه، نشرت الحكومة التي تريد تجنب أي فلتان بعد ما حدث في الأسبوع الأول من التعبئة (قتيلان و620 مدنيا و136 من أفراد قوات الأمن جرحى)، قوات حفظ النظام «بمستوى استثنائي».
واقترحت رئيسة حزب التجمع الوطني (يمين متطرف) مارين لوبن تنظيم تجمع في الشانزيليزيه، بينما توقع جان لوك ميلانشون زعيم كتلة حزب فرنسا المتمردة اليساري المتطرف في البرلمان «تعبئة هائلة».
تمثل الاضطرابات معضلة لماكرون في مواجهة تغير المناخ لكنه تعرض للسخرية لعدم تواصله مع الناس العاديين في وقت يقاوم فيه تراجع شعبيته. وتواجه فرنسا خطر الشلل الاجتماعي بسبب حركة شعبية احتجاجية غير مسبوقة انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي في مطلع تشرين الأول الماضي على خلفية ارتفاع أسعار الوقود. وتوعدت هذه الحركة، التي تسمى «السترات الصفراء»، بإغلاق الطرقات والمطارات ومحطات الوقود في العاصمة باريس وضواحيها ما سيشل العاصمة التي تشكل أهم النقاط الحيوية والستراتيجية في البلاد، بهدف دفع الحكومة إلى مراجعة سياستها الاجتماعية.
ولكن المشاركين والداعمين لهذه الحركة التي ظهرت ثم انتشرت بسرعة البرق على شبكات التواصل الاجتماعي قالوا إن الفرنسيين خاضعون منذ تولي الرئيس إيمانويل ماكرون السلطة في 14 أيار 2017 لسياسة ضريبية أنهكت الطبقات المعوزة منهم وحتى المتوسطة.
سياسة حكومية
الى ذلك أدت السياسة الاجتماعية لحكومة إدوار فيليب إلى تراجع كبير في القدرة الشرائية للمواطن، على حد قول القائمين على هذه الدعوة الاحتجاجية، مشددين على أن ارتفاع أسعار الوقود ما هو سوى القطرة التي أفاضت الكأس. وبالتالي فهم يؤكدون أن حركتهم ستكون ردة فعل قاسية على ادارة ماكرون، الذي ظل يردد طيلة 18 شهرا منذ وصوله للحكم أنه عازم على «إصلاح فرنسا»، متعهدا بإنجاز ما عجز أو فشل أسلافه في القيام به في شتى المجالات حسب تعبيره.
من جهته، صرح الرئيس ايمانويل ماكرون في مقابلة مع قناة «تي إف 1» أنه يدرك حجم الاحتياجات الاجتماعية وأن الفرنسيين لديهم الحق في التظاهر والتعبير عن غضبهم.
بداية الازمة
يذكر أن التحركات انطلقت بالأساس احتجاجا على زيادة أسعار الوقود، غير أن «السترات الصفراء» وسعت نطاق مطالبها للتنديد بالنظام الضريبي بصورة عامة وبتراجع القدرة الشرائية.
وحصلت الحركة على دعم اتحاد «القوة العمالية» (فورس أوفريير) للنقل، ثالث منظمة في هذا القطاع، دعت أعضاءها ومؤيديها إلى الانضمام إلى الحركة للمطالبة بتحسين القدرة الشرائية.
ومنذ الاسبوع الماضي أغلق متظاهرون يرتدون السترات الصفراء، التي يتعين على جميع سائقي السيارات في فرنسا حملها في سياراتهم، الطرق السريعة في جميع أنحاء البلاد بحواجز محترقة وقوافل من الشاحنات بطيئة الحركة مما عرقل الوصول إلى مستودعات الوقود ومراكز التسوق وبعض
المصانع.
ويعارض المحتجون الضرائب التي فرضها ماكرون العام الماضي على الديزل والبنزين لتشجيع الناس على الانتقال إلى وسائل نقل أكثر ملاءمة للبيئة. وعلاوة على الضريبة، عرضت الحكومة حوافز لشراء سيارات كهربائية أو صديقة للبيئة.
وفي يوم السبت الماضي، عندما شارك نحو 300 ألف شخص في أول تظاهرات السترات الصفراء في عموم البلاد، تراجعت الإيرادات اليومية لتجار التجزئة بنسبة 35 في المئة، بحسب جماعات للمستهلكين.
وتتميز حركة “السترات الصفراء” عن غيرها من الحركات الاجتماعية التي شهدتها فرنسا، سواء في عهد ماكرون أو قبله، بأنها تفتقد لأي زعيم أو هيكل رسمي أو خلفية حزبية، بل تسيرها طاقات بشرية متنوعة منفصلة عن بعضها على مواقع التواصل الاجتماعي، فهي حركة «افتراضية» بامتياز، وهو ما يزيد من خطورتها بالنسبة إلى السلطات
الفرنسية.