عدم الاستقرار يعيق نشاطات تحسين البيئة

ريبورتاج 2019/12/17
...

بغداد / رلى واثق 
شهد النظام البيئي في البلاد تراجعات كبيرة  في العقود الثلاثة الاخيرة ، انعكست بصورة كبيرة في التدهور البيئي نتيجة الحروب الكثيرة التي عانى منها الوطن، واستخدام الاسلحة المحظورة، والتي ادت الى دمار الزرع والماء والتربة، وانتشار الامراض السرطانية، بالاضافة الى الاضرار النفسية والاقتصادية التي عانى منها المواطنون.وبناء على ذلك فقد اوضح خبراء البيئة والاقتصاد الاثار السلبية التي تعاني منها البيئة العراقية والاجراءات المتخذة لعلاجها.
الخبير البيئي البروفيسور حازم الربيعي يبين ان:"المناطق الوسطى والجنوبية، خاصة الحزام الممتد من النجف والمثنى وذي قار والبصرة قد تأثرت كثيراً بالآلة العسكرية الاميركية في العام 1991 والتي هيجت التربة المتماسكة وفككتها ما جعلها قابلة للتصحر، وكذلك استعمال قنابل "النابالم" التي صنعت بالمانيا وجربت كقنابل مصنوعة من اليورانيوم المنضب لضرب الدروع لخرقها وتفجيرها، وهناك الكثير من الدراسات المثبتة علمياً بوجود تراكيز عالية من اشعاعات اليورانيوم سواء كانت في التربة او المياه ووصلت لكثير من النباتات ما تسبب في ارتفاع حالات الاصابة بالسرطان في المحافظات التي سقطت عليها هذه القنابل".
ويضيف الربيعي:" العراق كان على المسار الصحيح بعد عام 2003 عندما استحدث وزارة البيئة، وعندما تم التصويت على قانون حماية وتحسين البيئة العراقية، الا انه بمرور الوقت ظهر ان هنالك ضعفاً كبيراً في اجراءات الوزارة وتطبيق القانون، واعتبرت بيئة العراق من اسوأ البيئات في العالم حسب تصنيف المنظمات الدولية في
 حينها".
وتابع:"ما فاقم الوضع البيئي في البلد بشكل عام وبعض المحافظات بشكل خاص هو احتلال مجرمي "داعش" لنينوى وصلاح الدين والانبار وبعض المناطق في ديالى وكركوك، اذ تأثرت مراكز المدن والاقضية والنواحي هناك بعد تحطيم البنى التحتية كالماء والخدمات والجهد البلدي المتمثل بأدامة وصيانة وتنظيف المدينة والشوارع والازقة واهمال صيانة الطرق والجسور، اضافة الى العمليات العسكرية التي اثرت بشكل مباشر في تلك المدن لاسيما المقذوفات، اذ قضت الآلة العسكرية على البنى التحتية لمراكز المدن والاقضية والنواحي وشملت ايضاً المساحات الخضراء والجزرات الوسطية والمتنزهات والتي بدأ السكان بالتجاوز عليها وتحويلها الى مساكن لهم بدل منازلهم التي تهدمت جراء العمليات العسكرية".
وعرج الربيعي:" هناك تأثير في مياه دجلة والفرات وذلك برمي جثث المواطنين الذين اعدموا على ايدي العصابات الاجرامية والتي تحللت لتؤثر سلباً في صحة المواطنين الذين يتخذون هذه المياه مصدراً اساسياً لحياتهم، وهذا السبب وغيره ادى الى تدهور البيئة في البلد بشكل عام". 
آثار اقتصادية
رئيس اتحاد رجال الاعمال العراقيين راغب رضا بليبل يوضح:"العراق ومنذ ثمانينيات القرن الماضي بدأ يدخل في دهليز مظلم نتيجة التطور الذي حصل قبل هذا التاريخ في مجالات التعليم والاقتصاد والصحة ما اثار غضب وحفيظة الجهات التي ترغب ببقاء العراق منعزلاً ولم يعط فرصة للانطلاق والوصول الى مستويات عليا من التطور".
ويردف:"العراق لا يزال يمكث في هذا الدهليز وتسبب بالكثير من الكوارث على جميع الاصعدة والقطاعات المالية والنفسية وخصوصاً التعليم، وكل ماحصل ويحصل في الوقت الحالي ممنهج ويهدف الى شل كل القطاعات الاقتصادية بعد ان كانت هنالك بحبوحة قبل بدء حرب الخليج الاولى نتيجة تأميم النفط الذي حقق وفرة من الاموال ذهبت لتطوير القطاعات وفتح جميع الافاق".
 وبين:"لا يزال العراق يعاني من هذا المخطط الذي رسم له، ويجب تسليط الضوء لابناء الشعب او من هم على سدة الحكم لخطورة هذا التوجه ما يتطلب طي الخلافات فيما بينهم والاتفاق على منهج في خطط ستراتيجية وآنية للخروج من هذا النفق ووضع العراق اولاً واخيراً  ومصلحة ابنائه، لذا فان المطلوب من المواطنين التكاتف والتعاون لرفع العقبات والصعوبات التي وضعت امامهم من قبل قوى الشر والظلام".
 
ثقافة الأجيال
اما الخبير في الشؤون النفسية والتنمية البشرية عبد الحميد الحلي فقد قال:"ان اكثر ما تضرر في المناطق التي احتلتها "داعش" هو الانسان في ثقافته ومعتقداته وسلوكياته، خصوصاً جيل ما قبل 2003، فهذا الجيل مر بسنوات حروب وحكايات مؤلمة وانظمة دكتاتورية خلفت له نفسية قاسية جداً لا يشبه فيها باقي شعوب العالم".
ويضيف:"لا توجد عائلة عاشت ابان الوقت السابق لم تتضرر جراء سياسات الانظمة السابقة ورعونتها على مر عقود من الزمن، ما ادى الى خلق جيلين، الاول هو جيل عالي الثقافة وهو مطارد ومحارب وانتشر بكل انحاء العالم، وجيل مضطهد بالداخل وفي عقليته ونفسيته انسان كثير العقد خائف متردد لا يستطيع المبادرة ويهاب رجل القانون بدلاً من ان يحترمه".
واعرب الحلي عن اسفه بقوله:"الجيلان السابق والحالي اصبحا غير متفاهمين لقلة ثقافة الجيل الجديد والتي تعد من اهم الخسائر التي خلفتها الحروب، فخسر العراق الانسان صاحب الخبرة والثقافة العالية، اذا ماعلمنا ان غالبيتهم من ابناء تلك المناطق وهم قادرون على بناء دول ومدن بأكملها وليس فقط مشاريع او جسور".
 
مخزن ألغام
عضو مجلس مفوضية حقوق الانسان الدكتور علي اكرم البياتي يشير الى ان:"العراق في حروب مستمرة منذ ثمانينيات القرن الماضي ولغاية عام 2017 عندما دحرت قواتنا الامنية عصابات "داعش"في محافظات الانبار وصلاح الدين ونينوى، وجميع تلك الحروب كان لها الاثر الكبير في البيئة العراقية".
ويضيف:"البيئة الصحية في العرف الدولي تعد واحدة من اهم اركان الصحة في العالم، ودون وجود هذا الركن الاساسي لا يمكن  الوصول الى مقومات صحة حقيقية، والعراق رغم تشكيل وزارة البيئة عام 2003 ومن ثم دمجها مع وزارة الصحة ووجود قانون لحماية وتحسين البيئة الذي يتعامل مع الكثير من الامور البيئية ويؤسس لما يسمى مجلس حماية وتحسين البيئة في كل محافظة، الا ان كل ذلك كان حبراً على ورق ولم تر جميع الاجراءات النور بشكل عملي وفعلي".
وتابع البياتي:"العراق لا يزال مخزناً كبيراً للالغام نتيجة الحروب التي تركت آثاراً كبيرة منها فقدان مساحات واسعة من الاراضي الزراعية واستمرار سقوط الضحايا نتيجة وجود هذه الالغام، ورغم الاموال الكثيرة التي صرفت على ازالتها الا ان هنالك توقعات بوجود نحو 80 مليون لغم على الاراضي العراقية سواء من تلك الموجودة نتيجة حرب الخليج الاولى او تلك التي زرعتها "داعش"بعد احتلالها لعدد من المحافظات".
واوضح البياتي:"ان ملف مواقع الطمر الصحي يعد من الملفات المهمة جداً والتي تحتاج الى اهتمام ووقفة كبيرة، اذ ان المتابعات المستمرة لفرق المفوضية اسفرت عن ان اغلب هذه المواقع هي اما غير مجازة او ان المجازة منها فيها مخالفات واوامر باغلاقها من قبل الدوائر البلدية الا انها لم تنفذ لغاية الان".
ووصف البياتي البيئة العراقية بأنها:" غير ملائمة وليست فيها اي مقومات صحية مناسبة وملائمة للمواطن، ما يحتاج منا تفعيل القوانين الموجودة والمؤسسات المختصة واحترام قرارات مديريات البيئة في المحافظات العراقية". 
 
برامج وخطط
مدير عام دائرة الاعلام والتوعية البيئية في وزارة الصحة والبيئة امير علي الحسون يبين ان:" برامج عديدة نفذت لحماية البيئة على مستوى البلد مثل مراقبة تلوث الهواء والماء والتربة، اضافة الى انشاء قاعدة بيانات وخرائط رقمية للانشطة الملوثة والسعي لتطوير ادارة المخلفات الصلبة والخطرة وتقييم التلوث في مواقع التصنيع العسكري السابق ومناطق النزاعات العسكرية خصوصاً مايتعلق بمخلفات الاسلحة الملوثة باليورانيوم المنضب".ويضيف:"عملت الوزارة على تجميع المخلفات الملوثة بالاشعاع في مناطق محددة لغرض المعالجة النهائية لها والاشراف على برنامج ازالة الالغام من المناطق الملوثة بها وبالتنسيق مع باقي الفعاليات الحكومية بهذا الخصوص، وقد تعرضت الاحياء الطبيعية في العراق الى التدهور والتناقص في انواعها وكثافتها من جراء الحروب التي خاضها العراق، اذ  كان لتقسيم الاراضي الزراعية وتفتيتها الاثر الكبير في تناقص المساحات الخضراء لمختلف انواع الاحياء وكذلك عمليات تجفيف الاهوار التي اثرت بصورة مباشرة في الطيور المهاجرة والواقع الاحيائي الطبيعي والذي نتج عنه تخريب الكثير من المستوطنات الخاصة بأصناف احيائية مختلفة".
وتابع :" الحروب نتج عنها غرق اطنان من الحديد في شط العرب والقنوات الملاحية لجميع الموانئ العراقية، والغام ومقذوفات عن حربي الخليج الاولى والثانية،  وكان يفترض ان ينتهي الأمر في عام 2016 بعد عقد اتفاقيات دولية وخاصة اتفاقية "اوتاوا"،الا انه تفاقم بعد احتلال ارهابيي "داعش" لعدد من المحافظات ما حدا بالوزارة الى متابعة هذا الملف مع وزارتي الدفاع والداخلية وهيئة الحشد الشعبي، فضلاً عن العمل مع دول صديقة ومنظمات دولية لرفعها عن المناطق التي زرعت فيها".