اسطنبول / فراس سعدون
عبّرت أنقرة عن انزعاجها الشديد من التحركات العسكرية الأميركية الجديدة في الشمال السوري، في وقت ينظر فيه إلى أنه وقت تحسن للعلاقات بين أنقرة وواشنطن التي تدهورت سابقا بفعل ملفات عديدة، على رأسها ملف الدعم الأميركي المتواصل للوجود الكردي المسلح المعادي لأنقرة في سوريا. ويعود الانزعاج التركي الجديد إلى خطة أميركية لنشر نقاط مراقبة عند الحدود السورية – التركية يقول الجانب الأميركي إنها تدعم جهود القضاء على فلول تنظيم داعش الإرهابي في تلك المنطقة في حين يقول الجانب التركي إنها تحمي التنظيمات المسلحة الكردية التي يصنفها إرهابية.
خلاف نقاط المراقبة الحدودية
وقال خلوصي أكار، وزير الدفاع التركي، لوكالة الأنباء الرسمية التركية: “أبلغنا نظراءنا العسكريين والمدنيين الأميركيين، أكثر من مرة، انزعاجنا من مسألة إنشاء نقاط مراقبة في شمال سوريا”.
وكان جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، أعلن، الأربعاء الماضي، أن بلاده ستنشر نقاط مراقبة في مناطق الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا، بهدف زيادة التركيز في تطهير تلك المناطق من “داعش” الإرهابي.
وتفيد تقارير عسكرية بوجود أوكار لإرهابيي “داعش” شرقي نهر الفرات داخل الأراضي السورية الحدودية مع العراق.
وبحث وزير الدفاع التركي مع مسؤولين، بينهم جوزيف دانفورد، رئيس الأركان الأميركي، خطة إنشاء نقاط المراقبة في الشمال السوري، على هامش منتدى هاليفاكس للأمن الدولي الذي عقد في كندا الأسبوع الماضي.وأفاد أكار بشأن ما جرى في تلك المباحثات “عبرنا عن احتمال تشكل موقف سلبي كبير في تركيا إزاء نقاط المراقبة التي سيقيمها عسكريون أميركيون على الحدود السورية، لاحتمال أن يفهم إنشاء تلك النقاط على أنه مسعى لحماية (إرهابيي) منظمة وحدات حماية الشعب الكردية”.ويشي هذا التصريح بتوتر واضح قد ينسحب على مجمل العلاقات الثنائية.وعبّر وزير الدفاع التركي، الذي كان يشغل منصب رئيس الأركان التركي، عن اعتقاده بأن “أفعالا مثل تلك (إنشاء نقاط المراقبة) ستضيف مزيدا من التعقيد للوضع المعقد أصلا في المنطقة”.وتحدث الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وكبار المسؤولين في فريقه الحكومي، عن دعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا بآلاف الشحنات من الأسلحة والمعدات، وانتقال بعضها إلى أيدي “المنظمة الأم” للوحدات - حزب العمال الكردستاني المتمرد على أنقرة منذ عقود.وأعرب أكار عن تطلع الأتراك من حلفائهم الأميركيين “قطع علاقاتهم على الفور مع إرهابيي وحدات حماية الشعب الذين لا يختلفون شيئا عن عناصر حزب العمال الكردستاني”، محذرا في الوقت نفسه “ينبغي ألا يشك أحد في أن القوات المسلحة التركية والجمهورية التركية ستتخذ الخطوات الضرورية في مواجهة جميع أنواع التهديدات والمخاطر عبر حدودها”.وخاضت القوات المسلحة التركية معركتين فاصلتين ضد التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا خلال 2016 و2018 سيطرت فيهما على مدن ومناطق واسعة بينها جرابلس والباب وعفرين.
تفسير الخلاف بشأن نقاط
المراقبة الحدودية
وعزا عمر كوش، الباحث السياسي، الخلاف بشأن نشر نقاط المراقبة عند الحدود السورية – التركية إلى مخالفة اتفاق تركي – أميركي بهذا الخصوص.
وقال كوش، في حديث لـ”الصباح”: إن “الأتراك يقولون إن الاتفاق يقتضي أن تكون هذه النقاط داخل الأراضي السورية إلى مسافة 20 - 30 كيلومترا، وأن تكون موجهة لتحركات عناصر وحدات حماية الشعب الكردية”، مضيفا “لكن الذي يحصل هو ان الجانب الأميركي يريد وضع هذه النقاط على الحدود مباشرة، وبالتالي تبدو كأنها مراقبة للطرفين، بمعنى للطرف التركي ولوحدات حماية الشعب الكردية”.وتعمل تركيا على إبعاد التنظيمات الكردية عن حدودها قدر الإمكان إذ تراها تشكل تهديدا لأمنها القومي ومصالحها.وذكر كوش أن “المسؤولين الأتراك يشعرون بنوع من الخذلان لأن الولايات المتحدة الأميركية تواصل السير في طريق التخلي عن حليفها الاستراتيجي وهي تركيا مقابل ميليشيا تعتبرها إرهابية مثل وحدات حماية الشعب الكردية”.وتطرق كوش إلى وجود خلاف مبدئي بين الطرفين، مبينا أن “الأميركان يقولون إن وحدات حماية الشعب الكردية هي عماد معركتهم ضد داعش، والأتراك يقولون إن الإرهابي لا يحارب الإرهابي، وهذه إشكالية كبيرة”. القوات الأمريكية على الحدود السورية1 وتأتي إثارة نقاط المراقبة في ظل تعثر لتطبيق اتفاق خارطة طريق منبج.
وأحال كوش تعثر تطبيق الاتفاق المبرم بين الأتراك والأميركان إلى “عدم قيام القوات الأميركية بسحب وحدات حماية الشعب الكردية من منبج (الواقعة غرب الفرات) إلى شرق الفرات كما يقتضي الاتفاق”.
وصرّح جاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي، الجمعة الماضي، بضرورة وضع حد لتأخير تطبيق خارطة طريق منبج، مشددا “ينبغي أن يتم الانتهاء من هذه المسألة بحلول نهاية العام”.وتطمح تركيا إلى أن تكف الولايات المتحدة عن دعم وحدات حماية الشعب الكردية للوصول إلى مستوى “التحالف الاستراتيجي” في العلاقات.
وخلص الباحث السياسي إلى أن “مسألة نقاط المراقبة سيلح الأتراك على حسمها، وستطرح، باعتقادي، خلال اللقاء المرتقب بين الرئيسين التركي والأميركي على هامش قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين نهاية الشهر”.