قم لــ {المحافظ}

آراء 2018/11/30
...

حمزة مصطفى
 
 لم تهتز صورة المعلم في ذهن التلميذ مهما تقلبت الظروف والأحوال. لكل منا معلمه الأول الذي "كسر المسطرة" على يديه لكي يعلمه الحرف الأول. ودائما الحرف الأول بدء من "دار, دور, داران" على عهدي وأبناء جيلي أصعب الحروف لكي تتشكل أولى الكلمات التي تفتح أمامنا آفاق العلم والمعرفة. وحين قال أحمد شوقي "قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا" لم يقف أحد في وجهه من رجال الدين بسبب قرب توصيف الشاعر للمعلم بالرسول أو يكاد على الأقل.
مازلنا نردد بيت شوقي الشهير الذي تحول الى أيقونة التعامل مع المعلم بكل مايتطلبه التعامل من إحترام وتبجيل وقدسية ربما. لم نأخذ يوما منذ أول دخولنا المدرسة الإبتدائية حتى عهد السيد محافظ نينوى على المعلم إنه ضربنا وعنفنا ناهيك عن أهاننا. المعلم يضرب ويعنف وقد يقسوا بالضرب والتعنيف لكنه لايهين. لابد أن أستثني بعض حالات العنف غير المبرر التي تم رصدها في العديد من المدارس والتي شوهت الى حد كبير طبيعة النظرة الى الهيئة التدريسية ودورها في التعامل مع الطلبة. 
لكن هذه الحالات مهما بدت غير طبيعية أو جرى تسليط الأضواء الكاشفة عليها نتيجة إنتشار مواقع التواصل الإجتماعي والهواتف النقالة التي تلتقط الصور أولا بأول لأية حالة طبيعية أو غير طبيعية تحصل في المدرسة أو الجامعة أو الدائرة أوالشارع لم تشوه براءة وشفافية العلاقة بين المعلم والتلميذ, أو الأستاذ والطالب. 
لكن مادخل المسؤول في العلاقة بين المعلم والطلاب؟ للإجابة عن هذا السؤال لابد أن نفحص الفيديو الذي انتشر مؤخرا والذي يظهر فيه محافظ نينوى يعنف معلما  بكلام أقل ما يقال عنه إنه غير مناسب إن لم يكن غير 
لائق. 
فمبدأ محاسبة المسؤول الأعلى للأدنى منه مسألة طبيعية تقرها القوانين الانضباطية لكنها ليست  تشهيرية بحيث يجري تصويرها أمام  الملأ. ربما يكون المعلم على خطأ, ويبدو إنه كذلك لجهة قيامه بضرب الطلاب. لكن ماهو مستوى هذا الضرب؟ هل يشبه ما "أكلناه" كلنا بمن فينا السيد المحافظ من "بسطات" على يد معلمينا الأوائل لولاها لما وصلنا الى مانحن عليه اليوم فإنها لاتستوجب المساءلة ناهيك عن 
التعنيف. 
أما إذا تجاوزت الحد المعقول الى إيقاع الأذى الجسدي فهذه تتطلب المحاسبة لكن طبقا للقوانين النافذة. إذ يمكن  للمعلم أن يحال الى هيئة تحقيقية وقد تصدر عقوبات انضباطية ربما تصل حد فصله من وظيفته. لكن ليس من حق أحد مهما كانت منزلته أن يرفع صوته عليه حتى أمام الموظفين. أما أن يقوم المسؤول بتصوير فيلم وتوزيعه على الشبكة العنكبوتية وهو يتولى تعنيف موظف خدمة عام فضلا عن البعد الإنساني حيث أن هذا المعلم قد يكون أبا أو حتى جدا وله عائلة وأولاد فهذا ما لاتبرره الوظيفة مهما كان توصيفها. من حق القاضي أن يدين أحدا بجريمة ويحكم عليه بالإعدام ولايتلفظ بغير كلمة "مدان". فهذا في النهاية إنسان أخطأ وأخذ جزاءه لكن لاتهان إنسانيته. ففي الحديث القدسي "الإنسان بناء الله ملعون من 
هدمه"