المهرولون الى «صفقة القرن»

آراء 2018/12/01
...

يونس جلوب العراف 
ما معنى "التطبيع" في الوضع الراهن مع إسرائيل ولمصلحة من؟ فمن المتعارف عليه إنَّ التطبيع في المفهوم الجاري هو إقامة علاقات عربيَّة مع إسرائيل وأجهزتها ومواطنيها "كما لو أنّ" الوضع الراهن كان وضعًا طبيعيًّا ويعني بالتالي تجاهل حالة الحرب القائمة، والاحتلال والتمييز العنصري، أو هي محاولة للتعتيم على ذلك أو لتهميشه عن قصد. رحلة التطبيع بين العرب وإسرائيل بدأت من مصر التي وقع رئيسها أنور السادات عام 1978 في كامب ديفيد اتفاقاً للسلام المنفرد، وبقيت الأنظمة والشعوب العربية خارج نطاق هذا السلام إلى حين قدوم موجة التطبيع الثانية عام 1991 بعد انطلاق مفاوضات السلام العربية - الإسرائيلية إثر مؤتمر مدريد ومع توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية واتفاق وادي عربة مع الأردن، في العام التالي ساد تفاؤل في الشارع العربي بأنَّ الصراع العربي - الإسرائيلي في طريقه للحل من بوابة إنصاف الفلسطينيين وحصولهم على دولة، غير أنَّ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة راوغت في تحقيق سلام عادل منذ مقتل إسحاق رابين عام 1995 وانكشفت مناوراتها في مؤتمر كامب ديفد عام 2000. 
لكن في المقابل انخفضت توقعات الشعوب العربية حيال جدوى عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية جراء السياسات العنصرية والقمعية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين، ودفع ذلك الناشطين الفلسطينيين وحلفاءهم الدوليين للسعي إلى إيجاد بدائل متنوعة لعزل إسرائيل ومعاقبتها بهدف إجبارها على الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
في الوقت الراهن نرى أنَّ المروجين للتطبيع مع إسرائيل في البلدان العربيَّة قد بدأت أعدادهم في التزايد نتيجة وجود حركة مكوكيَّة لمسؤولي الكيان في البلدان العربية فقد ازدادت وتيرة الزيارات لمسؤولين إسرائيليين إلى دول منطقة الخليج في المدة القليلة الماضية، فبعد الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو إلى سلطنة عمان التقى خلالها السلطان قابوس بن سعيد وتباحثا بشأن قضايا ثنائيَّة مثل الملف الإيراني والتعاون الاقتصادي، قامت وزيرة الرياضة الإسرائيلية ميري ريغيف بدورها بزيارة إلى أبوظبي لحضور فعالية رياضية عزف فيها النشيد الإسرائيلي لأول مرة في عاصمة الإمارات فهل يشهد "التقارب" الإسرائيلي الخليجي مرحلة جديدة وما هي انعكاساته على القضيَّة الفلسطينيَّة؟. قبل أيام قال حسني عبيدي، مدير معهد الدراسات والأبحاث حول العالم العربي ومنطقة المتوسط بجنيف، في حوار مع "فرانس24"، إنَّ ما تسميه البلدان الخليجية "التهديدات الإيرانية" و"الطموحات التركية" إضافة إلى التقلبات التي تعرفها سياسة ترامب جعلت هذه البلدان تتسارع لنسج علاقات مع إسرائيل عادة إياها القوة السنيَّة الجديدة في منطقة الخليج، ما جعل قادة هذه الدول يبحثون عن دعم ومساندة إسرائيل وفي المقابل فهم يقومون أيضاً بإرسال رسائل إيجابية لإسرائيل فأمام هذه التطورات الإقليمية، أصبحت هذه الدول تراهن أكثر على إسرائيل كونها تملك إمكانيات أمنيَّة وتكنولوجية كبيرة، فضلا عن أنَّ التطبيع سيكون لها بمثابة ملاذ آمن من الغضب الأميركي إنْ لم تتم عملية التطبيع على وفق ما تريده الولايات المتحدة.
المطَّلع على أسرار الاتصالات بين الحكومة الإسرائيلية ودول منطقة الخليج سيرى أنَّ هذه العلاقات ليست وليدة اللحظة، بل بدأت منذ سنوات عديدة، لذلك فإنَّ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وضع في أولويات سياسته قضية التطبيع مع دول الخليج. أضف إلى ذلك، انهيار النظام العربي الإقليمي الذي لا يساعد هذه الدول على تبني موقف مشترك إزاء الملف الفلسطيني. لقد طرأت خلال العقود الأربعة الماضية تحولات متلاحقة أوجدت جيوباً لدعاة التطبيع العرب الذين يتقمصون مضامين دعائيَّة إسرائيلية حتى بات خطاب التطبيع تشارُكياً وفق تفاعل متبادل بين أطراف؛ منها ما يقع في الجانب العربي ومنها ما يقع في مربع الاحتلال ذاته، علاوة على أنه خطاب تحضّ عليه أطراف غربيَّة ودوليَّة. من جهة أخرى، تشكل الأزمة التي تمرُّ بها دول منطقة الخليج منذ قرار مقاطعة قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين منعرجاً مهماً في حياة هذه الدول، فيما وضعت على المحك مجلس التعاون الخليجي الذي يعاني من موت سريري، أما إيران فلم تحلم في يوم من الأيام بشهر عسل مع دول منطقة الخليج.
 لكنها حققت هدفين مهمين: الأول هو انهيار مجلس التعاون الخليجي والثاني تراجع التأثير السعودي في المنطقة. بقي لإيران أنْ تحقق هدفاً واحداً وأخيراً وهو أنْ تصبح القوة الوحيدة التي تدافع عن القضية الفلسطينية وهو ما كشفته القمة الإسلامية التي عقدت في طهران قبل أيام، وهي في ذلك تسير جنباً إلى جنب مع موجات الرفض للتطبيع التي ما زالت تعلو على المستوى الأكاديمي والشعبي في العديد من الدول العربيَّة، خاصة في أيام الأزمات، كما هي الحال عقب قرار نقل السفارة الأميركيَّة إلى القدس الذي كشف العديد من عورات المهرولين الى التطبيع المختبئين تحت أقنعة السلام والحفاظ على المنطقة من الأزمات والحروب.