الفجوة التعليمية

آراء 2018/12/01
...

  د. مزهر جاسم الساعدي
ان المشروع التربوي في العراق لايزال يعمل بذات الاولويات القديمة التي لم تنجح في الحد من انتهاك حقوق الطفل وامتهان كرامته حين يحشو كرفانا يفتقر الى ابسط المقومات بأكثر من 70 تلميذا يشح فيه الاوكسجين ويطالبه بان يكون صبورا ليفهم ما يلقى على مسامعه من مواد دراسية ويعلم هو ومعلمه وإدارته ان مدارس اخرى في مراكز المدن قد تكون افضل حالا منه وان كان الامر نسبيا ،حتى ظن انه صار مواطنا من الدرجة الثانية على الرغم مما يبذله ساكنو تلك المناطق من سخاء لبقاء هذا البلد حين تتهدده المخاطر . والأمر المؤكد ان العجز صار واضحا في كيفية ردم الفجوة بين ما يتلقاه الطفل في مدارسنا وما يتلقاه في مدارس البلدان الاخرى ،وبين ما يتمثله سلوكيا وبين ما يلقن به، وهذا بدوره قد انعكس بالسلب على البنية المجتمعية بمعظمها،وما بين هذا وذاك اصبحت ظاهرة التسرب واضحة للعيان لعدم وجود البيئة المدرسية الجاذبة فضلا عن عدم وجود المعالجات الجادة لتلك الظاهرة،ولعلي اقطع جازما ان حصة مدارس اطراف المدن والقرى هي الاكبر في هذا المجال . لقد كفل الدستور العراقي حق التعليم ومسؤولية الدولة تجاه هذا القطاع فضلا عن قانون وزارة التربية والصكوك والمعاهدات والاتفاقات الدولية.لكن ما نراه اليوم في مدارسنا لا يدل على ادنى رعاية لهذا القطاع الحيوي فالمدارس التي كانت تتسع لتلاميذ بعدد محدود اصبحت غير قادرة على استيعاب التلاميذ الجدد وتوفير المستلزمات الضرورية بالحد الادنى لتمكينهم من عبور المرحلة الابتدائية فضلا عن عدم قدرة المعلم على الايفاء بما يجب ان تكون عليه حصة الدرس الواحد في اليوم المدرسي إلا باستثناءات معدودة يمكن وصفها بأنها تعتمد على حماسة المعلم الموجود في تلك المناطق . وفوق ذلك كله تطالب تلك المدارس وذلك المعلم بضرورة تطبيق المعايير الدولية وإدارة الجودة الشاملة فيها، ولا ادري كيف يمكن لنا الحديث عن تلك المسميات وتلك البرامج من دون توفير مقدماتها السليمة التي يأتي في اولى خطواتها وجود المدرسة بمسماها الحقيقي فضلا عن وجود الصف الدراسي الذي لاتكدس فيها الاجساد الغضة للأطفال وكأن القائمين على تلك البرامج يعلنون بوضوح اما عن سخريتهم من الملاكات التربوية او عن جهلهم بالواقع الذي عليه حالهم في العراق. 
ان حاجة العراق الفعلية من الابنية المدرسية وصلت الى اكثر من 9200 بناية في جميع محافظات العراق وهذه الحاجة ربما لم تأخذ بالحسبان نسبة النمو السنوية للعراق وبهذا تكون الحاجة قد تتجاوز الاثني عشرة الف مدرسة لغاية عام 2018 فضلا عن انتهاء العمر التشغيلي للعديد من البنايات التي في الخدمة،ولم يعد ينفع معها الترقيع او التبرعات التي تثقل كاهل اولياء الامور يوما بعد اخر .
ولعل المشكل الاكبر في هذا الموضوع يكمن في تداخل الصلاحيات وعدم وضوح الجهة التي ينبغي ان تتحمل المسؤولية، فوزارة التربية صارت على وفق قانون مجالس المحافظات راسمة للسياسات العامة وغير معنية في قضية الابنية المدرسية وتوفير مستلزماتها التربوية وأنيطت هذه المهمة بجهات اخرى تتعامل مع هذا الملف تعاملا اداريا بعيدا عن الالتزامات الدولية والمعايير التي يجب ان تتوافر عليها العملية التربوية ولهذا صارت المدارس بدوام ثلاثي وثنائي فضلا عن الاعداد المخيفة في الصف الواحد والتي ربما تصل في بعض المدارس الى اكثر من 100 تلميذ ولا يعد هذا الرقم مبالغا فيه او هو مذكور بكونه مخالفا للواقع الذي عليه المدارس . 
 من هنا نرى حجم الكارثة التي ستحل بالنظام التربوي العراقي ما لم تتدارك عبر قرار وطني تسخر فيه جميع الموارد المادية والبشرية لإنقاذ مستقبل العراق .
ليس صعبا ان تحدد الاموال اللازمة لإنهاء هذه الازمة وليس صعبا ان ننجزها في وقت قياسي اذا ما توافرت الارادة الوطنية والقرار السياسي .
دعونا نوفر للطفل ما يحفظ كرامته في مقعد دراسي لايزاحمه فيه احد ولا نتحدث معه عن حب العراق لأنه سيهتدي اليه حتما.