بناءُ المجتمع

آراء 2018/12/01
...

علي الكناني
شكلُ المجتمع ومنظومة المفاهيم الأخلاقيَّة التي تحكم تصرفاته وردود أفعاله تجاه مختلف القضايا التي تمثل عَصبَ الحياة اليوميَّة فيه، تتأثر بشكل رئيس بتصرفات أفراده وخصوصاً النخب القائدة التي عادة ما تفرز مجموعة من الممارسات تراعى من خلالها المصالح الشخصيَّة وتقدم بذلك سلوكاً شاذاً يتنافى مع طبيعة المجتمعات الفاضلة التي تراعي نموذجاً إصلاحياً. وتلعب قوة الفرد التي يكتسبها من موقعه داخل هرم السلطة إذا ما أساء استخدامها دوراً في رسم ملامح الممارسات الشاذة التي إذا ما تكرست داخل المجتمع وفق مفهوم الغلبة للأقوى ستغير من مفاهيمه، وسيكون من الصعب على الأشخاص أو الجماعات التي تتبنى نهجاً إصلاحياً مقاومتها أو التغلب عليها.
وتختلف العلاقة بين السلطة والمجتمع في نموذج الدول بحسب أسلوب الحكم فيها، ولا أعني هنا نظام الحكم الذي يتوزع في أغلبه بين ملكي وجمهوري، ولكنْ نوع التحولات السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة التي يفرزها النظام السياسي ومدى ارتباطها بالجماهير وتفاعلها معها. هذه التحولات بمجملها قد تسهم ببناء مجتمع رصين تتعزز فيه مكانة الفرد ويحظى بحقوقه الثقافيَّة والاقتصاديَّة وفق مبدأ تقاسم الثروات واختيار الشخص المناسب للمكان المناسب. إلا أنها قد تنحو منحى آخر لتصب في مصلحة النخب على حساب الجماهير، إما من أجل ضمان الحفاظ على المناصب والامتيازات، أو من أجل الوصول الى الثراء المنشود وفِي بعض الأحيان يحصل الاثنان معاً.
وفِي شكل العلاقة غير السليمة بين المجتمع والسلطة أو من يستغل وجوده في السلطة، تتحول النخب الحاكمة تدريجياً وبحسب طول فترة بقائها في سدة الحكم من أنموذج ثوري مصلح الى آخر نفعي يتوق للقوة والثروة عبر أدوات تمد أذرعها الى مفاصل الدولة وأجهزتها فإذا ما أحكمت قبضتها سعت في مرحلة لاحقة للتغلغل في مفاصل الاقتصاد ليتحول ثوار الأمس الى رجال أعمال تذوب معهم الحدود الفاصلة بين الطبقتين الاقتصادية والسياسية.
السلطة تستخدم الأموال كذلك للترويج لشكل العلاقة التي تربطها بالمجتمع وهنا يأتي دور استخدام الإعلام الذي 
يتولى مهمة الإقناع وتلقين رؤى ومفاهيم من يتولى زمام السلطة لقواعدهم داخل المجتمع ويسوق متبنياتهم 
ليرسم إطاراً خاصاً لشكل التحولات في العلاقة بين السلطة والمجتمع.
شكل العلاقة غير السليمة بين السلطة والمجتمع وتوجهاتها من شأنه أنْ يحول دون إعادة توزيع السلطة الاقتصادية والسياسية، وسيؤدي إلى تفاوت اجتماعي شديد، وانتشار الفساد في أعلى مستوياته، وسيقود حتماً الى زيادة في الاحتجاجات الاجتماعيَّة والسياسيَّة.