بعض البلدان تعيدُ فتح مدارسها

العراق 2020/04/23
...

ترجمة: انيس الصفار  
 
عندما بدأ “كوفيد-19” يعمل منجله بين الناس سارعت الدول الى إغلاق مدارسها، وكان هذا هو أول رد فعل تلقائي منها في الرد على المرض. لكن مع بدء بعض الدول بتخفيف اجراءات العزل لا نكاد نرى اتفاقاً على كيفية او موعد اعادة فتح الصفوف الدراسية امام التلاميذ.

ثمة سؤال كبير هنا: ما هو الترتيب الأنجع في حالة الأطفال؟ فالاطفال بطبيعتهم ميالون للاختلاط مع بعضهم واللعب وتبادل الطعام. 
ولكن هنالك أموراً أوسع تستدعي ايضاً نظرة متمعنة تتعلق بموقع المدرسة على الخط البياني للعدوى المرضية.
تشير دراسة نشرت بتاريخ 6 نيسان في مجلة “لانسيت”، وورقة بحث اخرى منفصلة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ان اغلاق المدارس أقل أهمية من اغلاق أماكن العمل بالنسبة لانتشار فيروس كورونا، وهو العامل المسبب لمرض “كوفيد-19”. رغم هذا لا يكاد المرء يجد قراراً أشد حساسية من قرار اعادة التلاميذ الى صفوفهم. التفاوت العظيم بين السياسات بهذا الشأن في العالم (بين من أغلق مدارسه لعام اكاديمي كامل ومن يتحرك منذ الان لإعادة فتحها) يرينا مدى الاختلاف بين دولة وأخرى في تحديد سرعة العودة الى الوضع الطبيعي بعد زوال الجائحة، وترتيب الأولويات.
فرنسا والمانيا واستراليا من الدول التي تخطط لإعادة فتح مدارسها قريباً، بعضها قد لا يتعدى الشهر الحالي، بيد ان التربويين المعنيين يشعرون بالقلق من احتمال اصابة الأطفال بانتكاسة جراء طول الاغلاق اذا ما دام اكثر، لاسيما بالنسبة لمن لا تتوفر لهم فرصة المتابعة عبر الانترنت.
موازنة بين المجازفات لا تنتهي 
يتمحور الأمر كله حول لغز مركزي واحد: كيف سيمكن الخروج من حالة الحجر دون اطلاق موجة عدوى ثانية مدمّرة؟
يقول “راسل فاينر” صاحب الدراسة التي نشرتها مجلة “لانسيت”، وهو استاذ بريطاني متخصص بطب المراهقين: “لا يتوفر مخرج من حالة العزل خال من المجازفة، ولكننا ما أن نجتاز نقطة الذروة حتى تأخذ كفة ميزان المجازفة بالميلان تدريجياً نحو الشروع بإعادة فتح المدارس كواحد من أول الاجراءات الواجب اتخاذها عندما نخرج من العزل».
يستند فاينر في حجته الى البيانات التي تشير الى ان الاطفال ليسوا من الناشرين الأساسيين لمرض كورونا. ولكنه يقول ان على المدارس رغم ذلك تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي والتأكد من عدم اختلاط التلاميذ ببعضهم خلال فترة الاستراحة ما بين الحصص مع تزويد المدرسين بالملابس والتجهيزات الواقية. 
إلا أن بعض المناطق ليست مهيأة لذلك بعد. ايطاليا واسبانيا واستراليا سوف تعيد فتح المحال والمصانع والأعمال الانشائية قبل التفكير بإعادة فتح المدارس. في ووهان الصينية، التي كانت المصدر الأول للتفشي، خففت اجراءات العزل في 8 نيسان فسمح ذلك لأحد عشر مليون شخص بالعودة الى أعمالهم، ولكنها لم تعد فتح مدارسها بعد.
في مناطق الولايات المتحدة المختلفة تتفاوت سياسة اغلاق المدارس تفاوتاً شاسعاً. بعض الولايات، مثل مريلاند، تنظر في اعادة فتحها قبل نهاية السنة الاكاديمية، في حين ستبقى المدارس مغلقة في اماكن اخرى، مثل فرجينيا، طيلة موسم الصيف.
يقول فاينر: “نحن في حالة موازنة بين المجازفات لا تنتهي». 
أسباب مختلفة وراء القرارات المتعلقة بالمدارس
بعض البلدان ابدت شيئاً من التطرف، فلم تغلق مدارسها أو حتى مددت فترات العطلة المدرسية. طاجيكستان مثلاً، وهي من دول آسيا الوسطى التي تنتهج نهجاً كثير الشبه بالنهج الذي كان سائداً في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، تدعي انها لم تشهد حالات “كوفيد-19” داخل حدودها، وان مدارسها ماضية وفق المناهج المقررة.
نيكاراغوا خرجت هي الاخرى على باقي دول اميركا الوسطى، التي اتخذ بعضها اجراءات صارمة في التصدي لفيروس كورونا شملت حظر التجول والحجر الصحي واغلاق الحدود. ففي نيكاراغوا بقيت المدارس العامة مفتوحة ولم تفرض الحكومة اية قيود على موظفي القطاعين الخاص و العام. كذلك تواصلت المسيرات المؤيدة للحكومة والتجمعات الكبيرة لإحياء المناسبات الدينية.
تركمانستان وبيلاروس رفضتا ايضاً اتخاذ اجراءات الطوارئ عموماً وابقيتا معظم المدارس مفتوحة، إلا انهما مددتا العطلة المدرسية لمدة اسبوعين.
هنالك دول اعطت الأولوية للتعليم والمدرسة رغم اعترافها بواقع الأزمة. ففي تايوان، التي تعد قصة نجاح في اسلوب تعاطيها مع فيروس كورونا، عاد الطلبة الى مدارسهم منذ اواخر شهر شباط بعد انتهاء تمديد العطلة بسبب الفيروس. اما السويد فقد ابقت المدارس مفتوحة للاطفال دون سن 16 عاماً وكذلك المقاهي والحانات والمطاعم وعدد من الخدمات الأخرى.
بيد ان الآراء بشأن اعادة افتتاح المدارس تتفاوت كثيراً بين الدول وحتى المناطق المتجاورة. فالحكومة الاسترالية، التي حققت نجاحاً مشهوداً في السيطرة على الوضع (او كما يوصف بتسطيح الخط البياني لتنامي اعداد المصابين يومياً) الى أقل من واحد بالمئة، تقول ان رأي الجهات الطبية كان ثابتاً على أن مستوى المجازفة في ابقاء المدارس مفتوحة “واطئ للغاية” وان المدارس تبقى أفضل مكان يتلقى فيه الصغار تعليمهم. مع ذلك تجاهلت بعض الولايات الاسترالية هذا، ففي بعض المناطق لا يحضر الى المدرسة سوى 5 بالمئة من الطلاب وهؤلاء هم اطفال الموظفين الذين لا غنى عن خدماتهم.
في تصريح بثته الشاشات في الاسبوع الماضي وانتقده اتحاد المعلمين قال رئيس الوزراء الاسترالي “سكوت موريسون”: “تعليم اطفالنا معلق بكفة الميزان”. وأضاف: “التعجيل بفتح المدارس أمر حيوي لاولئك الذين نعلم انهم لا يستطيعون الحصول على التعليم في منازلهم. انه واقع محزن ولكننا نعلم انها حقيقة لابد لنا من مواجهتها».
كذلك قال وزير التعليم الاسترالي “دان تيهان” ان ابنته البالغة من العمر 16 عاماً ستعود الى المدرسة، ودعا المدارس الاسترالية كلها الى استئناف الدراسة في الصفوف في ظرف شهر. كذلك تخطط ولاية نيوساوث ويلز، وهي اكبر الولايات الاسترالية، لعودة الطلبة الى مدارسهم بالمناوبة ابتداء من 28 نيسان.
ما انتهت اليه الدراسات
يسبب اغلاق المدارس توترات نفسية شديدة لكثير من الأهل الذين يخشون من ان يؤدي ذلك الى تخلف ابنائهم دراسياً. طلبة المدارس الثانوية أيضاً يستحوذ عليهم القلق من ان ينعكس ذلك على مستوياتهم وترتيبهم عند التخرج وما لذلك من أثر على قبولهم في الجامعات. هناك دراسات تشير ايضاً بأن تمديد فترات اغلاق المدارس قد يترك آثاراً طويلة الأمد.
تفيد تقارير لليونسكو بأن 91 بالمئة من الطلبة، أي اكثر من 1,5 مليار طفل، قد تأثروا بإغلاق المدارس نتيجة تطبيق اجراءات الحظر الشامل في 191 بلداً. وتحذر الوكالة التابعة للأمم المتحدة من ان معدلات التخلف عن الالتحاق يمكن أن تتصاعد عند عودة افتتاح المدارس. كذلك ان آثار هذه المشكلة سوف تتعمق كلما طالت فترة الاغلاق. 
من جهة أخرى توصلت دراسة مجلة “لانسيت”، التي اجرتها جامعة لندن، الى ان انعكاسات اغلاق المدارس على سعة انتشار فيروس كورونا قد تكون ضئيلة نسبياً. وتلفت الدراسة النظر الى ان اغلاق المدارس ينحصر تأثيره تحديداً في كسر قمة المنحنى البياني للانتشار، ولكن آثاره الأخرى على العدد الاجمالي لحالات الإصابة يبقى متواضعاً. يشير كاتب الدراسة ان الاطفال الذين لا يذهبون الى المدارس تكون فرص احتكاكهم اليومي بالاطفال الاخرين اقل بمعدل النصف، ولكن احتمالات تعرضهم لمخالطة أطفال من مدارس أخرى تكون اعلى. كذلك فإن اغلاق المدارس يعيق العاملين في مجال الرعاية الاجتماعية ويحد من قدرتهم على التوجه الى اعمالهم.
يقول “ديفد اسحاق” وهو طبيب اطفال واستاذ بالامراض المعدية من جامعة سدني، ان الحد من انتشار الوباء لا يتطلب منا إغلاق المدارس.
تبدو نسبة الاطفال المصابين بفيروس كورونا بين من تدهورت حالتهم الى مراحل شديدة من المرض واطئة جداً، حيث تظهر الاحصائيات المحدّثة اخيراً من قبل مراكز مكافحة الامراض والوقاية منها ان ثلاث حالات فقط كانوا من الاطفال دون سن 15 عاماً من بين الوفيات المسجلة رسمياً في الولايات المتحدة خلال الفترة 1 شباط الى 11 نيسان، والتي بلغ مجموعها 13130 حالةً. كذلك كانت هناك 13 وفاة اخرى ليافعين تراوحت اعمارهم بين 15 و24 عاماً.
أي البلدان ستباشر بفتح مدارسها؟
في النرويج سيعاد فتح المدارس في 27 نيسان للصفوف من الأول الى الرابع. وخلال الاسابيع الثلاثة المقبلة تخطط دول اخرى لفعل الشيء ذاته، من بينها نيوزيلاندا والمكسيك والمانيا وفرنسا.
في الصين اعادت بعض الاقاليم فتح مدارسها في الشهر الماضي، أما بكين وشانغهاي فقد أعادت فتح العديد من الاعمال ولكن المدارس سيأتي دورها لاحقاً، وذلك من 27 نيسان الى 11 أيار.
هونغ كونغ، شأنها شأن الصين وماكاو، كانت بين اول من اغلق مدارسه عندما ضرب كورونا ضربته. الإجماع هناك واسع على ابقاء المدارس مغلقة نظراً للندب التي خلفها انتشار مرض سارس في هونغ كونغ في العام 2003 حين هلك نحو 300 شخص في تلك المنطقة.
سنغافورة ابقت مدارسها مفتوحة حتى 8 نيسان مستندة الى ان الاطفال اقل عرضة للاصابة بالفيروس، ولكن موقفها تغير عندما ارتفع عدد الاصابات بـ”كوفيد-19” خلال الشهر الماضي الى عشرة اضعاف. 
في روسيا، حيث يتزايد عدد الحالات الجديدة بشكل متسارع، لم يعد مفتوحاً من المدارس سوى 8 بالمئة. 
 
روباين ديكسون  وكارلا آدم وأوديسيوس باتريك / عن صحيفة واشنطن بوست