ما بعد الإسلاموية في العراق

العراق 2020/04/26
...

ابراهيم العبادي
 
يعود مصطلح ومفهوم ما بعد الاسلاموية لعالم الاجتماع الاميركي - الايراني ،اصف بيات ، كتب ورقة في عام 1995 بعنوان (قدوم المجتمع مابعد الاسلاموي ) نشرها في العام 1996، ناقش فيها تبلور توجهات اجتماعية ورؤى سياسية وافكار دينية جديرة بالملاحظة شهدتها ايران في مرحلة مابعد (الامام) الخميني، لقد تحدث عن نزعات جديدة وتوجهات مجتمعية ومطالبات حقوقية ومقاربات جديدة لممارسة الحريات المدنية والسياسية في ظل متغيرات اجتماعية وثقافية وجيلية رافقت المرحلة الجديدة التالية لمرحلة التأسيس ومعاركها الايديولوجية .ثمة من فهم المفهوم على انه تاريخي يوصف مرحلة تلي مرحلة سابقة ،ويذهب بيات الى انه يقصد المنهج التحليلي للتطورات الداخلية والاستجابة الاجتماعية التي تدفع باتجاه احداث تغييرات نوعية في الخطاب العام ،انها حالة ومشروع جديد يولد من المشروع الاصلي تضطر فيها السلطات الى التحول الكيفي استجابة لضغوط مجتمعية تؤكد على الحقوق بدلا من الواجبات، والتعددية بديلا عن سلطوية الصوت الواحد والقراءة المرنة للنصوص عوض القراءة الجامدة، والمستقبل بديلا عن التاريخ، مابعد الاسلاموية ،تؤكد على التدين والحقوق وترفض الدولة الدينية بصيغتها التي بشرت بها حركات الاسلام السياسي باتجاه دولة تتوافق على دور مهم للدين في المجال العام لكنها لا تحكم وفق التصورات والنظريات التي كانت تجادل وتبشر بها الحركات الاسلامية في مرحلة الانطلاق والظهور ،انها ببساطة استجابة لتعقيدات وظروف واستحقاقات مرحلة الممارسة العملية المحفوفة بالمنهج النصوصي الصارم واقترابا عمليا من التأويلية المرنة والحداثة الاضطرارية .
اخترت هذا المدخل لالفت نظر الكثير من الاسلامويين الى ان الصرامة في المواقف والتزمت الايديولوجي الذي يظنونه الحقيقة النهائية ،ستتغير يوما من دون ان يجدوا غضاضة في ذلك بل ستكون الضرورات السياسية والشرعية ودرء المفاسد وتحصيل المصالح هي الملاك الشرعي لهذا التغيير ،انها سنة التغيير والتجديد والتطور ومواكبة العصر وسيجدون ان للزمان والمكان وظروفهما الموضوعية والواقعية ومسايرة السنن الاجتماعية والتبدلات الثقافية والمطالبات الحقوقية مدخلا جوهرياً لكل هذه الاستجابات .
عطفا على ماتقدم ،فان مانشهده من جمود سياسي وانقسام حزبي وصراعات متعددة الاشكال يخوضها اتباع الاسلام السياسي فيما بينهم ،ونحن نتحدث عن بلادنا المنكوبة ،يحسبها المتصارعون هوية خاصة بهم ،انهم يتحدثون بالاعلام  كثيرا عن  هويات وماهيات وتصنيفات لمن لايتطابق معهم في تفاصيل الرؤية السياسية وليس العقدية عن المبادئ والمشروع الاسلامي في قبال مشروع اميركي واسلام غير محمدي ، وهذا التصنيف مضر جدا بالمآلات التي يودون بلوغها لان التصنيفات المبنية على (هوية) سياسية تجعلهم يتشككون بكل من لايتطابق معهم في الجزئيات ،  ويدفعهم الى خوض صراعات اجتماعية وسياسية لاتنتهي لفرض رؤيتهم وحمل الاخرين ،قربوا او بعدوا ،على التماهي مع شعاراتهم عن خوف او تجنبا للصراع غير المنتج ،  غيرهم يراهم يتحدثون عن اسس مبدئية وصرامة اخلاقية وضمير ديني لايقبل المساومات وانصاف الحلول ، بينما يجسد السلوك السياسي والاجتماعي مفارقات مذهلة ، من تسابق على الاستحواذ على السلطة والمؤسسات ،وتضخم في الثروات وابتعادا واقعيا عن مصالح الطبقات الفقيرة ،  بينما  يروج الجيل الحالي من اسلامويي شيعة العراق لمواقفهم ومعاركهم بطريقة باتوا  يصنفون فيها  من لايشاركهم المنهج السياسي والاعلامي وحتى لمن  سبقهم في هذا المضمار الاسلامي ،   انه متغير ومتحول ومتراجع ومتساقط وربما يصل الامر الى حد التخوين والاغتيال الرمزي والتصنيف بالامركة او الاسلام الاميركي ، لقد غدت المعركة معركة مناهج وتصورات ظاهرية  للعالم وفق ثنائية الاسلام -الكفر ،المقاومة -المساومة،المشروع الاسلامي -المشروع الصهيواميركي الى غير ذلك .
لو اخذ الذين يتراشقون بهذه الاسلحة الايديولوجية فسحة من الوقت ، وراجعوا ادبياتهم بعقل معرفي وليس بعقل صراعي لوجدوا ان الاختبار الاكبر للشعارات والمناهج انما في الضمير الاخلاقي والقيم التي تختبر كل يوم باسم الامة ودينها وثقافتها ،فكم اضاع المتصارعون على وهم الايديولوجيا من اعمار شعوبهم في مطاردة اهداف لم توصلهم لشيء غير المزيد من الانقسام والبؤس والتشظي الاجتماعي والتخلف الاقتصادي وكراهية الخطاب الديني الذي تعبر عنه شعارات الكثير من حملته؟،اذا اردتم التأكد من ذلك اختبروا القوى الاسلاموية في شعارات ممثليها والمتحدثين باسمها يوميا وهم يعطلون مصالح امة بكاملها ، لانهم لايستطيعون التنازل عن مصالح صغيرة لصالح مصالح كلية كما كانوا يزعمون ،انها مفارقة مذهلة عندما تختبر الايديولوجيات على مذبح وزارة ومنصب ومقام وجاه سياسي. الواقع صخرة ستكسر كل المشاريع الايديولوجية، قد تكون الانهيارات الاجتماعية والافلاسات الاقتصادية والاوبئة والعجز السياسي والامني ابرز محركاتها.