حتى لا يكون (الإغلاق) مرضاً آخر

استراحة 2020/05/12
...

عبد الزهرة زكي
استعار الغرب من قاموس السجون مفهوم الإغلاق التام (lockdown) ليجري استخدامه كتعبيرٍ عما يقال عنه عندنا بـ (حظر التجول) في ظرف طارئ كانتشار وباء 
كورونا.
يقابل حظر التجول في اللغة الانكليزيَّة (curfew)، وهو بموجب ويكبيديا “أمرٌ صادرٌ عن السلطات العامة أو القوات العسكرية يطلب من الجميع أو بعض الأشخاص البقاء في منازلهم في أوقات معينة، غالباً في الليل. يمكن فرضه للحفاظ على النظام العام”. 
وهذا مفهوم يتكرس لدواعٍ سياسية أو اجتماعية أو أمنية، لكن في تجربة مثل الوباء سيكون الحفاظ على الصحة العامة هو الهدف المراد بحظر التجول”. 
إنه تعبير واقعي ومحايد بشكل عام إزاء ما مطلوب منه في مثل الحالة الراهنة الجارية في معظم بلدان العالم، بينما مفهوم الإغلاق التام (lockdown) ينطوي على قسريَّة شديدة، ولعلَّ استعارته من قاموس السجون يتضمن أثراً قد يجعل من وقعه النفسي 
فادحاً.
يجري تعريف الإغلاق (lockdown) بموجب ويكبيديا انكليزي أيضاً على أنه “بروتوكول للسجون يمنع الأشخاص أو المعلومات أو البضائع من مغادرة المنطقة”، ويضيف التعريف: “عادة ما يعني الإغلاق الكامل أنه يجب على الأشخاص البقاء في أماكنهم، ولا يجوز لهم الدخول أو الخروج من مبنى أو غرف داخل 
المبنى”.
فكرة الإغلاق كانت هي الحل الممكن لإيقاف انتشار الفيروس والحد من خسائره بفعل غياب ممكنات العلاج والوقاية حتى الآن، لكنْ مع استمرار (الإغلاق) لأسابيع وأشهر في بعض بلدان أوروبا فقد بات مشكلة بقدر ما كان الحل يرتجى منه. لم تكن المشكلة في الحجر نفسه والتقيد بملازمة المنازل، برغم خطورة هذه المشكلة نفسياً، لكنَّ التبعات الاقتصاديَّة للمجتمع ككل هي المشكلة التي لا تقل خطورة عن الوباء 
نفسه.
نفسياً تضخم الشعور إزاء الإغلاق كحبس قسري في المنزل، يقول إيروين جيمس، وهو صحفي كان قد قضى 20 عاماً في الحبس، وكان في معرض الإجابة عن المقارنة ما بين الحبس والالتزام بالإغلاق: “هناك الكثير من صدى السجن” في المنزل الملتزم بالإغلاق. 
يحرص جيمس كثيراً على صياغة إجابته بما من شأنه تخفيف وطأة الشعور بالحبس في المنزل، فيقول إن الإغلاق: “أعطى الناس نكهة مما يشبه أنْ تكون اختياراتك 
محدودة”.
هذه مشاعر لها صداها النفسي، لكنَّ لها نتائجها الاقتصادية كلما مضى الزمن داخل الإغلاق، وهذا ما يدفع بالكثير من الدول التي ما زالت مبتلاة بالوباء لأنْ تفكر بحلولٍ يمكن أنْ تخفف وطأة الوجه الآخر لمحنة كورونا، وهو الوجه الاقتصادي وانعكاساته على المجتمعات.
حين لا تستطيع الحد من خطر الوجه الأول لمحنة لا ينبغي ترك خطورة وجهها الثاني تتضخم.
الوعي الصحي للناس مع مواصلة جهود العلماء هما طرفا ثنائيَّة لا بدَّ منها لتخفيف إجراءات الحظر (الإغلاق) بأقل الخسائر وبالكثير من الأمل.