تعد حرية تنقل الأشخاص أو ما يطلق عليه " حرية الغدو والرواح " أحد أهم مؤشرات الحرية العامة التي تسعى مختلف الأنظمة السياسية إلى حمايتها وتسهيلها سواء داخل حدود الدولة الواحدة ، أو بين الدول والاقاليم المختلفة ، ولم يفتْ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 أن يشير في المادة (13) منه إلى أن ( لكل فرد الحرية في التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود دولته) والنص هذا جاء ضمانةً صريحة لحرية الأشخاص في التنقل بين الأمكنة المختلفة بالطريقة التي يختارون ، تلك الحرية التي تعد حاجة إنسانية وفطرية ملحة ، إلا أن السؤال الذي يمكن إثارته هنا هو : هل أن هذه الحرية مطلقةٌ غير خاضعة لقيد أو شرط ؟ أم أن هناك قيودا تفرضها السلطة وتوجب على الأشخاص الالتزام بها ؟ وما مشروعية هذه القيود من الناحية الدستورية
والقانونية؟
في العراق نص دستور 2005 في المادة 44 أولا على " للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه" يتضح من النص أعلاه ان الدستور كفل حق التنقل لكل عراقي مهما كانت صفته ووظيفته من دون أن يقيد ذلك باي شرط او ان يفرض عليه قيداً ، الأمر الذي يوجب على السلطة التنفيذية احترام هذه الحماية وألّا تتعسف في فرض المزيد من التعقيدات والعقبات اللتين تجعلان حرية الشخص في التنقل أمرا صعباً ، ولعل من يسأل ما الضيرُ لو تولت السلطة تنظيم هذه الحرية كما في حالات الظروف الاستثنائية كانتشار وباء معين مثل الوضع الذي نعيش الان في ظل انتشار وباء كورونا - أعاذكم الله منه - ، وصحيح أن تنظيم الأمر هذا يعد ضرورة في حالات عدة إلا أنه يجب أن يخضع لشروط معينة ، وسنعرض هنا أهم شرطين وضعهما الفقه القانوني وهما: الشرط الأول أن تتم مراعاة القاعدة الدستورية والتقيد فيها ، هنا في العراق نصت المادة ( 2 / أولا) من دستور 2005 على أن " لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والاساسيات الواردة في هذا الدستور" واذا ما فهمنا ان حرية التنقل باتت حقا مكفولا بموجب الدستور ، صار لزاماً ان تنسجم جميع التشريعات اللاحقة والتعليمات مع حماية هذا الحق و صيانته، ولعل من التطبيقات القضائية التي تجدر الإشارة إليها في هذا الصدد هو قرار المحكمة الاتحادية العليا في الدعوى رقم 34/اتحادية / 2008 إذ جاء في هذا القرار أن الدستور كفل الحرية الشخصية للعراقي في السفر والتنقل داخل العراق وخارجه من دون قيد أو شرط تطبيقاً لأحكام المادة 44 / أولا من الدستور ولايمكن في حال من الأحوال مخالفة ذلك .
اما الشرط الثاني الواجب مراعاته اذا ما أرادت السلطة التنفيذية تنظيم حرية التنقل والمرور ، وهو أن يكون القيد المفروض يحقق مصلحة عامة حقيقية مؤكدة وليست محتملة ، ويتحقق ذلك من خلال وجود علاقة سببية بين القيد المفروض وتحقق هذه المصلحة .
وعلاوة على ذلك فان وضع القيود على حرية الأشخاص بالتنقل هو استثناء من القاعدة العامة التي تقضي بإباحة هذه الحرية ، لابل وبكفالتها أيضاً، معنى ذلك أنه من غير الجائز ان يتم التوسع في هذا
الاستثناء.
وأن فرضه يجب أن يكون في أضيق نطاق ممكن . وما دمنا في صدد الحديث عن القيود المفروضة على حرية التنقل لابأس في التعرض للقرار الذي أصدرته مؤخراً خلية الازمة في العراق والتي من المفترض أن تكون وضيفتها حصر نطاق تفشي وباء كوڤيد 19 إذ يقضي القرار بأن تكون حركة مرور المركبات وفقا لنظام الزوجي والفردي ! ولا ندري ما نوع العلاقة السببية التي تحدثنا عنها آنفا بين حركة مرور السيارات وبين موضوع تفشي وباء كورونا، الأمر الذي يدعو إلى المزيد من التفكير بالقواعد الدستورية والقانونية قبل إصدار هكذا قرارات قد تقوّضُ حريات الأشخاص وحقوقهم
المكفولة .