بغداد/ سرور العلي
تحظى رهف محمود البالغة (8) سنوات بأكثر من (500) ألف متابع على موقع إنستاغرام، والذي يدار من قبل والدتها لأن المنصة تمنع المستخدمين بعمر (12) عاماً أو أقل من إنشاء حسابات شخصيَّة، وتظهر الطفلة بأزياءٍ مختلفة من ماركات عالميَّة أو تتنزه برفقة والدتها.
وقالت لمياء سعد (33)عاماً، والدة رهف: “أتلقى يومياً عشرات الرسائل من شركات الدعاية والإعلان، لاستخدام الطفلة في الترويج لمنتجاتهم لكنَّ والدها يرفض كونها ما زالت صغيرة وغير مدركة لما يحصل”.
“دفعت الشهرة التي يسعى لها بعض الآباء والأمهات بما ينشرونه إلى ترك آثارها النفسية على أطفالهم” حسب الأخصائية النفسية مريم محمد، وأضافت: “أغلب ما نراه في مواقع التواصل هو مزيف وغير حقيقي ولا يعدو كونه لحظات أو دقائق من المرح والسعادة، يعيشها الطفل لأنه أمام الكاميرا ولا نرى الجزء الآخر من حياته ما يجعله مثالياً لدى الآخرين”.
وأشارت محمد “يستخدم بعض الأمهات أطفالهن لا سيما الوسيمين منهم ومن يمتلكون حسابات يتابعها آلاف وملايين المشاهدات، للترويج للسلع التجارية والكمالية والإعلانات لدور الأزياء والقنوات الفضائية”. وتطمح محمد “أنْ يكون هناك قانون يحمي خصوصية الأطفال من تصرف وسلوك أسرهم”.
وتقول ميساء البياتي: “يعتقد الآخرون بأنَّ ما نقوم به هو انتهاك للطفولة، بل على العكس من ذلك أنا أوثق مراحل طفولته ولحظات رائعة له على تطبيق (الانستاغرام)، لتبقى ذكريات جميلة كصور وفيديوهات أعياد ميلاده وصور أول يوم له في الروضة ورحلتنا إلى تركيا”.
وقال الطبيب النفسي علي حامد: “تؤثر الردود سواء كانت سلبية أو إيجابيَّة في نفسية الطفل، ويعد بمثابة انتهاك لخصوصيته خصوصاً أولئك الآباء الذين يعمدون لنشر كل ما يخص الطفل، ومن دون معرفته كأوقات تناوله الطعام وصور له وهو يغط في نوم عميق، وأثناء التسوق، إذ يجبر الطفل على الوقوف بحركات معينة، أو تأدية دور ليس مناسباً لسنه”.
وأضاف “كما أنَّ شهرة الطفل تؤثر في محيطه الخارجي وفي رفاقه، وسينظرون له بأنه مميز عنهم، ما يخلق جدلاً بينهم، كما أنَّ الردود السلبية تجعله عدوانياً وتتسبب بإهماله لواجباته المدرسيَّة، وانخراطه في واقع افتراضي قد يصدم المتلقي بعد ظهوره بسلوكٍ مختلف على أرض الواقع”.
وأوضح حامد “البعض يقدم محتوى غير هادف من أجل استمرارية التواجد على المنصات الإلكترونية، وإقحام الطفل بالأضواء وهوس الشهرة والابتعاد عن أهم معايير حياته، وخاصة التربية وتعلم الصبر والخوض في مجالات الحياة للوصول إلى سلم النجاح”.
وتحول أطفال نتيجة ظهورهم المستمر على مدونات إلكترونية لعلامات تجارية شهيرة، وتتلقى أسرهم مبالغ ضخمة لظهور أطفالهم في شاشات التلفاز وموقع يوتيوب، ويحظى أطفال مولودون حديثاً بملايين المشاهدات لشهرة آبائهم، واعتبرها الشاب عبد الله ياسر “نوعاً من عمالة الأطفال بصورة غير مباشرة، وطمساً لطفولتهم”.
وانتقد باسم راضي (48)عاماً، أب لثلاثة أولاد “الأهالي لانشغالهم عن تتبع ومراقبة أطفالهم وما يفعلونه خلف شاشات الهواتف المحمولة، والأجهزة اللوحيَّة حيث يظهرون بمقاطع فيديو تعرضهم للسخرية وبالتالي يقع اللوم على الأهل”.
وترى العشرينية نور حسين (أم لطفلين): “عرض حياة الطفل على مواقع التواصل يجعله يبدو أحياناً غير سوي، ويبالغ في متطلباته وتدليله بسبب وقوعه تحت الأضواء، ولا يفضل معظم الأطفال الشهرة ولكن تحت ضغط الأهل ويرغبون بتحقيق ما لم يحققوه هم والخيار المتاح يقع على أطفالهم، وجعلهم يخوضون في مجال التمثيل والغناء والموسيقى حتى لو لم يمتلكوا الموهبة”.
وقالت أخصائية الأسرة والطفل، زينب وسام: “أصبحت ظاهرة الأطفال المشاهير غير محببة، لاستغلالهم لأغراض تجاريَّة والتسوق بهم ما يؤدي لفقدان عفويتهم وسلب براءتهم، ولها عواقب نفسية واجتماعية ومنها التنمر على هؤلاء الأطفال، وقضاؤهم وقتاً طويلاً على الهواتف والسهر والإرهاق والاكتئاب”.
وأضافت “ثمة أطفال يصبحون مشاهير بسبب شهرة والديهم بخاصة حين يصطحبونهم معهم لإحدى الحفلات أو المدرسة وهذا ينعكس بشكل سلبي على الطفل، وعلى الآباء المشاهير تجنب اطلاع أبنائهم على ردود الأفعال السلبية لكي لا تتغير صورة الأب أو الأم لدى الطفل، وتشكيل هويته الخاصة به من دون التأثر بشهرتهم”.
واستدركت “يتفاخر الكثير من الأمهات بإنجازات أبنائهن ويحاولن لفت الأنظار لهم بشتى الوسائل، باستثناء من يمتلكون مواهب وطاقات إبداعيَّة، إذ هم بحاجة إلى التشجيع من قبل الجمهور كالرسم والعزف والغناء والتمثيل وأنْ يكون بحدود المعقول وأيضاً من ذوي الإعاقة الذين يحملون رسالة نبيلة للمجتمع”.
وقالت نجلاء حيدر (29)عاماً: “امتنع عن نشر كل ما يتعلق بطفلي، يجب أنْ تبقى حياته بعيدة عن شبكة الانترنت وعدم خرق خصوصيته”.