المسؤوليَّة الجنائيَّة لنشر الأخبار الكاذبة والشائعات

استراحة 2020/06/09
...

 القاضي أريج خليل
 
رغم أنَّ الدستور العراقي لسنة ٢٠٠٥ المادة ٣٨ قد كفل حرية التعبير عن الرأي بجميع الوسائل وحريَّة الصحافة والإعلام والطباعة، إلا أنَّ ذلك مقيدٌ بالحماية القانونيَّة وبعدم الإخلال بالنظام العام والآداب، لا سيما ونحن نشهد وسائل جديدة للتعبير عن الرأي أكثر تأثيراً من الوسائل التقليديَّة.
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لنشر الأخبار والشائعات المجهولة المصدر، وهذا أمرٌ بات من سمات هذه الوسائل كونها وسائل لا تخضع لرقابة مركزيَّة، إلا أنَّ الموضوع تزداد خطورته عندما يكون نشر الشائعات والأكاذيب في ظروف حرجة، تكون عندها وسيلة لاستنزاف طاقة المواطن والدولة، وما يثار من أخبارٍ كاذبة وشائعات عن فيروس كورونا، جعل الحكومة أمام معركة أشد فتكاً من المرض ذاته، استنزاف طاقتها في تكذيب ومواجهة الشائعات والأخبار المشكوك بصحتها وعدم الاعتماد على المصادر الرسميَّة للمعلومة، بالشكل الذي أثر في أمن وسلامة المجتمع وأثار الهلع بين المواطنين.
ويرافق الشائعات الصحية نوعٌ آخر، الشائعات الاقتصادية وأخبار تخفيض الرواتب أو عدم صرفها للأشهر القادمة وأخبار غلاء الأسعار والتي تناقلتها مواقع كثيرة وكانت من أبرز الإشاعات الاجتماعية، والتي لها دورٌ في إرباك المواطن وقلقه من المجهول وأدخله في نوعٍ آخر من القلق لا يقل خطورة من قلق تفشي الوباء، من دون اكتراث بالدقة في نشر المعلومة وخاصة بالنسبة لأولئك الذين ينشرون أخبار فيروس كورونا ويربطونها بنظريَّة المؤامرة، متناسين أنَّ الأخبار الكاذبة والمعلومات الخاطئة والنصائح غير السليمة على وسائل التواصل الاجتماعي يجعل انتشار المرض أسرع وأسوأ، كون المعلومات المغلوطة سريعة الانتشار من الممكن أنْ تغير من سلوك الأفراد وتجعلهم أكثر عرضة لخطر الإصابة بالوباء.
 منظمة الصحة العالميَّة أدركت خطورة الشائعات الصحيَّة، فحاولت السيطرة على الأمر بتحديد موقع تابع لها يتم فيه تحديد إجمالي الإصابات في كل دول العالم منعاً للشائعات، وسارعت العديد من الدول الى تذكير مواطنيها بالمساءلة القانونيَّة، عن نشر الأخبار الكاذبة واستغلال الوضع الصحي لبث رسائل مغرضة وخلط الحقائق وتفعيل الملاحقة القانونيَّة لكل من ينشر الأخبار الكاذبة، قاصداً بث الهلع والرعب وتشويه الحقائق.
قانون العقوبات العراقي عاقبَ مروجي الشائعات والأخبار الكاذبة في المادة (٢١٠) منه، ونصت «يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن ثلاثمئة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من أذاع عمداً أخباراً كاذبة أو بيانات أو إشاعات كاذبة ومغرضة أو بث دعايات مثيرة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة»، كما جاء بالمادة (٢١١) «يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين من نشر بإحدى طرق العلانيَّة أخباراً كاذبة وأوراقاً مصطنعة أو منسوبة كذباً الى الغير إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو الإضرار
 بالمصالح العامة»، كما حددت المادة (١٩/ ٣/ ج) من بين طرق العلانيَّة الصحافة والمطبوعات الأخرى وأي وسيلة أخرى من وسائل الطبع والنشر، فجاءت بمفهومٍ واسعٍ لمصطلح العلانيَّة ليشمل كل ما يستجد من وسائل حديثة للنشر ما دامت تؤدي الغرض وهو تحقيق العلانيّة، وانَّ النصين السابقين للمادتين (٢١٠) و(٢١١) من قانون العقوبات العراقي قد حددا المسؤوليَّة الجنائيَّة لكل من ينشر الأخبار الكاذبة والإشاعات أو يسهمُ في ذلك بقصد زعزعة الأمن العام وإثارة الرعب بين الناس، ويكون متحملاً للمسؤوليَّة الجنائيَّة عما يترتب على ذلك خاصَّة.
 البلد يمرُّ في ظرفٍ صحي حرج يجعل الناس يتشبثون بأي معلومة، ما يتسبب في حالة من الذعر والهلع الجماعي، ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت البيئة الأكثر ملاءمة لهذه الشائعات التي أثرت سلباً في حياة الأفراد، لذا على المؤسسة القضائيَّة ووزارة الداخلية وجميع الجهات ذات العلاقة كشبكة الإعلام العراقي ووزارة الثقافة، القيام بدورها عن طريق إعلامها وتحذير المواطنين من المشاركة في نشر الأخبار مجهولة المصدر، بوصفه أمراً غاية في الخطورة ويعرض مرتكبه
 للملاحقة القانونيَّة.