العاملات المنزليات.. كورونا يحوّل حياتهن إلى كابوس

اسرة ومجتمع 2020/06/14
...

 
 
بورزو دراغاهي وبيل ترو ترجمة: ليندا أدور
 
كان مجرد أجر مجزٍ مقابل عملها، بهدف مساعدتها للبقاء بضعة أسابيع حتى تتمكن من العودة الى عائلتها وابنها ذي الـ 12 عاما، في الفلبين، أواخر آذار الماضي.. فإن تتسلم، لينا، مبلغ 900 دولار شهريا، وهو ضعف الحد الأدنى للأجور بتركيا، بدا وكأنه صفقة رابحة، مقابل الرعاية والتنظيف لدى عائلة ثرية بمنطقة زكرياكوي الراقية في اسطنبول.
لكن تفشي فيروس كورونا، حوّل حياة الخادمة المنزلية لينا (39 عاما)، الى كابوس، فقد دفعها تصرف الأسرة التي وظفتها الى الشعور وكأنها سجينة في بيتهم، لخشيتهم انها قد تنقل اليهم المرض إن خرجت من المنزل، على الرغم من أنهم يخرجون على الدوام.. كان يسمح لها بوجبة طعام واحدة في اليوم، خوفا من أن اي اتصال اضافي مع المحيط الخارجي سيزيد من مخاطر الاصابة بالفيروس. في تلك الأثناء، انتهت مدة تأشيرة دخولها الى تركيا، والغيت رحلة العودة الى بلادها في خضم الاغلاق التام لرحلات الطيران، لتتيقن لينا انها أصبحت عالقة ومحاصرة، لا سيما انها لم تتسلم أيا من المبلغ المتفق عليه، بعد إدعاء الأسرة التي تعمل لديها ان الذهاب الى المصرف لسحب الأموال أمر خطير للغاية.
 
بيعهن عبر الفيسبوك
لقد ألقت جائحة كورونا بظلالها على مئات الآلاف من العمال المهاجرين بعموم أنحاء العالم، الذين هم في الأساس يعيشون حياة محفوفة بالمخاطر، وقد حذرت مجموعات مجتمعية للرصد بمنطقة الشرق الأوسط، من أن شكاوى الانتهاكات المقدمة من قبل عاملات الخدمة المنزلية فيما يتعلق قد تضاعف من ناحية العدد والقسوة منذ بداية تفشي الوباء.
تقول، غولهان بنلي، رئيس جمعية اسطنبول لحماية حقوق العاملات المنزليات: إننا «نتلقى في المعتاد، اتصالا في اليوم عن حصول إساءة ما، أما الآن، فصرنا نتلقى 6 أو 7 اتصالات». مضيفة «بسبب الأزمة، لا يسمح للعاملات بالخروج لتنشق بعض الهواء النقي، كما إزداد حجم العمل، فعليهن ان يطبخوا وينظفوا أكثر، دون أخذ استراحة». وقد أشارت المجموعات المجتمعية لتعرض عاملات الخدمة الى المرض لنقص الأدوية، ويجبرن على ترك منازلهن لعجزهن عن دفع بدلات الايجار، حتى انهن يفكرن بعرض أطفالهن للتبني لعدم قدرتهن على تحمل تكاليف الاحتفاظ بهم.
وفي واحدة من أبشع حالات الانتهاك هو ما حصل في لبنان مؤخرا، حين أقدم أحدهم على «بيع» خادمته النيجيرية عبر صفحة للسوق على موقع الفيسبوك مقابل الف دولار، وأرفق المنشور بصورة لجواز سفرها ومستمسكات الإقامة، لولا تدخل وزارة العدل اللبنانية وانقاذ المرأة.
تقول، روثنا بيغم، الناشطة بحملات حقوق المهاجرين والعمال المنزليين لدى منظمة هيومن رايتس ووتش: «نعمل على توثيق جميع المشاكل، إذ أدت إجراءات الغلق التام والحجر الصحي المنزلي وحظر التجوال الى محاصرة العاملات داخل المنازل، مما اضطرهم للعمل لساعات أطول بعمليات تطهير وتعقيم المنازل، ما يجعلهن عرضة للانتهاك الجسدي والجنسي».
 
زيادة محاولات الانتحار
تعمل بعض الدول بمنطقة الشرق الأوسط على وفق نظام الكفالة، الذي يعرضهن للاستغلال لعدم قدرتهن على تغيير وظائفهن او مغادرة البلاد، وفي بعض الحالات لا يمكنهن الاحتفاظ بجوازاتهن دون إذن من صاحب العمل.. يقدر عدد عاملات المنازل الأجنبيات في لبنان بنحو 250 الف عاملة، اللواتي يعانين، في أغلب الأحيان، من عدم امتلاكهن للوثائق او إيقاف مفاجئ لأجورهن، فضلا عن مواجهتهن لغرامات قاسية في حال قبض عليهن بدون أوراق ثبوتية.
ومع توجه الكثير من الاقتصادات نحو السقوط الحر، يلجأ بعض أرباب العمل الى التخلص من العمالة المنزلية، وبعضها يتم حرفيا، برميهن على جانب الطريق، أو استرداد مبلغ تأمين أوراق الكفالة من خلال بيع العاملات.
تقول، بانشي يمير، من مؤسسة أينيا لينيا المجتمعية الخيرية التي تركز على قضايا عاملات المنازل الأثيوبيات في لبنان: إنه تم تسجيل زيادة بنسبة 50 بالمئة في أعداد العاملات اللواتي يعشن ظروفا سيئة. مشيرة الى تصاعد القلق حيال تفاقم عدد محاولات الانتحار، فقد أقدمت عاملة اثيوبية، مؤخرا، على الانتحار عندما شربت مادة التبييض الفعالة، تقول: «لم يكن يدفع لها أجرها ولا تملك أوراقا رسمية، وتعرضت للاعتداء البدني والجنسي، كما منعت من التواصل والحديث الى أسرتها».
وتصف، بيغم، حالة عاملات المنازل في دول شبه الجزيرة العربية بأنهن محاصرات في المنازل، ويعملن لدى أسر يصل عدد افرادها الى نحو 20 شخصا من دون التمتع بيوم اجازة، إذ تقول: «الأسر الآن لا تذهب للعمل ولا للمدرسة، فأصبح على العاملات العمل على مدار الساعة، ويذهبن للنوم لثلاث أو أربع ساعات فقط».
أما لينا، فتقول إنها تشعر وكأنها سجينة في منزل الأسرة التي تعمل لها، إذ عليها الاعتناء بطفلين في الثالثة والسادسة من العمر: «أصبح عملي مضاعفا لان الأطفال لا يذهبون الى المدرسة بعد الآن»، وبالرغم من أن الأسرة لا تمنعها من التحدث الى أصدقائها او ابنها في الفلبين، إلا ان متطلبات عملها، من عمليات التنظيف المستمر وتغيير الإشراف وغيرها خشية الاصابة بالفيروس، تجعل حتى من المستحيل أن «أجد وقتا لأتحدث الى أسرتي».
*صحيفة الاندبندنت البريطانية