خزعل الماجدي: العقل العربي نكوصي يخاف الحداثة

ثقافة 2018/12/29
...

احمد جبار غرب
 
نبتةٌ عراقية دائمة الإخضرار لا يجدب عطاؤها مادامت حركة التطور تمضي وفق نواميسها، زاهية متألقة برحيق الرافدين الذي يعبق بالأسرار والخلود وإن جار عليه الزمن. شاغلهُ البحثُ والتقصي في المعرفة الإنسانية والوقوف على مدياتها التي لا تنتهي مادام هناك عقل يفكر وقلب ينبض . اختط طريق البحث في  الحضارات والأديان والميثولوجيا ليحاكم الأسئلة المتأرجحة التي أرقتنا كثيرا دون جدوى.  شاعر مهووس بالابتكار والتجديد دؤوب ومعطاء ، باحث اغتنى بالتجربة الثرة التي كونها عبر سنوات غزيرة بالإبداع ،
 إنه الشاعر خزعل الماجدي الأكاديمي والباحث في علوم الحضارات والأساطير والكاتب المسرحي الذي لا يهدأ من حراكه المتنوع والشاعر المتعدد الأساليب .فضولي الصحفي رماني إلى جرفه الثر لاستكشاف ما أريد البحث عنه من تساؤلات تحاصر فضاءنا الإنساني وتشكل مفصلاً حيوياً في فهمه عبر حوار معمق ازدان بإجابات وجيزة فيها البلاغة والإختزال والجمال ، وكان سريع الإستجابة وكريم الخلق في التجاوب لمسعاي البريء لأنه يشعر بمسؤوليته فيإ اجواء التنوير والمعرفة عبر المنابر الإعلامية الحرة ،  وكانت الخلاصة هذا الحوار الشَّيق والوسيم مع الرجل الوسيم خزعل 
الماجدي .
 
*كيف تنظر إلى مفهومي الداخل والخارج عراقياً في الأدب والفن والسياسة وفي كل المجالات 
الاخرى ؟  
- قلة بائسة هم الذين ينادون بهذا التقسيم ويضعون الفواصل والإشتراطات ويميزون بين حقلين  يبدوان وكأنهما متعارضان ، وهم كما قلت أنت يعيشون حالة مصطنعة  ومرضاً يريدون أن يعتاشون عليه ، ويلبون من خلاله بعض عقدهم السايكولوجية  التي تضمن لهم خصوصية زائفة  وغير مقبولة ، إذ لاتصنيف في الثقافة العراقية سوى بين الجودة والرداءة .
لست مؤمناً بهذه التقسيمات ، وإذا كان لها ثمة أثر قبل سقوط النظام السابق ، فأظنها قد اختفت الآن ، وأصبح عصر الإتصالات الحديث وسيلة لكسر الحاجز بين الداخل والخارج . أدباء ومثقفو العراق وفنانوه وسياسيوه في الداخل والخارج  منتجون ويصب  نهرهم المشترك في العراق مهما ابتعدوا أو اختلفوا في نتاجاتهم أو تياراتهم المختلفة ، هم الآن ، وخصوصاً من منتجي الثقافة ، يقفون بوجه الظلام الذي يحاول صنّاع القبح في السياسة داخل العراق تزويقه واعتباره أمراً شائعاً وواقع حالٍ علينا القبول به .
لايمكن للثقافة إلاّ أن تكون تنويرية متحدية الظلاميين والجهلة ، والثقافة العراقية بوجهيها ،في الداخل والخارج ، وقفت موقفاً  تنويرياً مشرفاً ، أما من تراجع  عن موقفه من الإنتهازيين والنفعيين والمحسوبين على الثقافة فستجدهم ،حين تراجع حقيقتهم ، بأنهم ضعفاء بالقدر الكافي الذي يجعلهم يفعلون هذا.
*هل استطاعت الفلسفة أن تجيب على كلّ الأسئلة الإنسانية فيما يتعلق بالوجود والذات ولماذا نراها قد تقوقعت لصالح العلم الذي طوّع  كلّ الممكنات الإنسانية لصالح عملية التطور الانساني؟
- الفلسفة طريقة من طرق النظر للعالم والحياة ، ولكنها تعتمد على  العقل فقط  ولاتمتحنه بالتجربة ، بينما العلمُ لايفكر لأنه يعتمد على المختبر والتجربة بالدرجة الأساس ، وهكذا فقدت الفلسفة أهميتها القصوى التي كانت عليها ، بل وحاولت الدفاع عن نفسها بوجه الإكتساحات العلمية للحياة والمعرفة والتي شملت الفلسفة نفسها ، ولم يهادن العلماء ما طرحه الفلاسفة لاعتقادهم الراسخ أن ما يذهبون له هو من بقايا طرق التفكير الفلسفية الآيلة للاحتضار حين تواجه المنطق العلمي، فالعقل
، في نظرهم، مفهوم فلسفي وليس مادة كيميائية داخل خلايا 
المخ. والإدراك مفهوم غامض ربما كان المقصود منه عشرات الآلاف من العمليات البيوكيميائية المعقدة والدقيقة والتي كان يجهلها الفلاسفة بينما تفني أجيال من العلماء لفك 
شفراتها .
أرى اليوم أن لكلّ من الفلسفة والعلم وظيفة مختلفة عن الأخرى ، ولايجوز المفاضلة بينهما ، فكلاهما ضروريّ ، الفلسفة منظور شمولي عقليّ للحياة والطبيعة والمعرفة ، والعلم منظور علمي دقيق وحاسم لعموم القوانين الطبيعية والحياتية  ولتفاصيلها المغرقة في الدقة .
*ماهو مستقبل الشعر ؟ وهل يمضي سريعاً في تطوره ، عبر استحداثات جديدة،  فقد كنا مع القافية  وبيت القصيد ،ثم حركة الشعر الحر ، والنثر وأخيراً الهايكو أو الومضة الشعرية وماذا بعد  ؟
- الشعر جنس أدبي كبير ومن الطبيعي أن تكون له أنواعٌ في الماضي وفي الحاضر ، ولايمكن التوقف عند  نوعٍ واحد .. كلّ ماذكرته هو تطور طبيعيّ لإنفتاح الشعر على بعضه في العالم الحديث والمعاصر ، فظهرت هذه الأنواع ، وفي كلّ نوعٍ هناك القويّ والضعيف ، ولايمكن الحكم المطلق على نوع واحدٍ والقول بأنه ضعيفٌ ولابد من حذفه .. أعتقد أن مستقبل الشعر يمضي نحو النثر ، وهذا أيضاً أمر طبيعيً لأن الحداثة ، كلّها، بنيت على غلبة النثر على النظم ، المسرح منذ أبسن أصبح نثرياً بعد أن كان منظوماً ، الرواية  كانت جذورها في الملاحم المنظومة .. الخ ، بل أن سرً الحداثة هو النثر ، وجاءت تيارات مابعد الحداثة لتجعل النثر شاملاً وأنثروبولوجيا وبلا مركز .هذه التطورات كان لابد أن تصيب وتهزّ شعرنا العربيّ ، والمهم دائماً هو الحفاظ على الشعرية فيما يكتب منه ، النوع ليس هو أساس الحكم على الشعر ، بل الشعرية في كلّ نوع . خذ مثلاً الشعر العربي العمودي لتجد فيه أن نسبة الشعرية محدودة والباقي منه نظم وليس شعر ، وكذلك الشعر الحر .. وكذلك بقية 
ماذكرت.
*في كتابك الموسوم (ميثولوجيا الخلود) حاولت الاجابة عن إشكالية الخلود الانساني في كل مدياته وتكون الاديان هي البوصلة في تحديد اتجاهاته ،ألا يوجد طابع  مغاير كالعلم مثلا في السعي الانساني للخلود  علمياً وحدا
ثويا ؟
- كتابي هذا حصر موضوعه في الدين فقط  مسبقاً ، فقد بحثت في أنواع الخلود في حضارتي وادي الرافدين ومصر ، أي في الماضي ، وكانت مديات هذه الأنواع محدودة  وبعضها وهميّ . من المؤكد أن العلم سيجد منفذاً لتحقيق الخلود بطريقةٍ أو بأخرى  مثل إطالة العمر ، والبحث عن علاجٍ للشيخوخة واعتبارها مرضاً وربما الخلود الطويل جداً . وهو أمر متروك أمر كتابته وعرضه  لعلماء البايولوجيا والهندسة الجينية ممن مارسوا البحث عن الخلود من خلال 
العلم .
*هل يمكن تدجين الصراع بين الإيمان والإلحاد وجعل مساره فلسفياً فقط دون جعله نقطة ارتكاز ايديولوجي او سياسي في اقتحام عوالمنا المادية السريعة التطور  ؟
- الإيمان والإلحاد لن يصطرعا في ظل وجود قوانين وضعية صارمة تكفل حرية المعتقد ، أما الجدل بينهما فسيظل مفتوحاً عبر كل المسارات الدينية والفلسفية والعلمية ، وهو أمر طبيعيّ جداً يشبه الحوار بين أي نقيضين آخرين في عالمنا المعاصر . والمهم دائماً أن لايوجد صراعٌ دمويّ بل حوار مثمر وبنّاء يتضمن عدم النيل من أي طرفٍ وحفظ حقوقه 
كاملة .
*العقل العربي .. مالذي ينقصه لكي يكون فاعلاً ومؤثرا وانسانياً في الابتكار والخلق والتطور ليكون أيقونة او مثالاً يُشار له ودون الرجوع للماضي 
المجيد؟
- ما ينقص العقل العربي  هو الخروج من العباءة السوداء للتاريخ الوسيط ليكون عقلاً حديثاً مستندا على العلم بالدرجة الأساس . وأنا على ثقة أنه لو فعل هذا فسيكون كما أشرت ، لكنه عقل نكوصيّ يخاف من الحداثة ولايقبل بشروطها الصعبة في العلم والتعليم والعمل ، إنه عقل مخدّر وموهوم ومتطلّع للسماء أكثر من تطلعه للأرض ، لابد من القطع الإبستمولوجي له مع الماضي الذي أصبح في المتاحف ولم يعد يصلح للحياة الحديثة والمعاصرة التي لها ملايين التفاصيل الجديدة التي مازال العقل العربي يستهلكها دون أن يتساءل ويقول  لماذا  لاأساهم في 
صنعها ؟ .