إذاعة بغداد من جمهوريَّة العراق تؤسسُ أبجديَّة الإعلام المسموع عربياً

استراحة 2020/07/01
...

بغداد/ محمد اسماعيل
 
أحدث انطلاق بث إذاعة بغداد، يوم الأربعاء 1 تموز 1936 تحولا سياسياً واجتماعياً مهماً، في ظل محدوديَّة التقنيات وشح اطلاع الناس على الموجود منها؛ وساهم هذا الامر في شد الانتباه وادى لاحقا الى نقلة كبيرة في الوعي الاجتماعي كما عزز مكانة الثقة الجمعية بالتطلع الى غد افضل. وقد ساهمت الاذاعة كونها الاكتشاف العلمي الباهر في ربط العراق بمحيطه وبالعالم اجمع وفعلت الكثير من النشاطات الابداعية وقوت اواصر التعليم وجعلت المواطن العراقي ينظر بكثير من الشغف الى دوره في التجمع البشري العالمي. 
تفاءل المواطنون بالاستماع الى الأخبار والأغاني مشدودين الى البث الذي لم يتخط بضع ساعات يومياً في البدء، ثم توسع بتسارع صبت فيه عوامل التقدم العلمي والنمو الاقتصادي وانفتاح الوعي الشعبي ومتطلبات السياسة على الإعلام الحديث عند حلول العهد الجمهوري.
ومنذ ذلك التاريخ تعاقبت الكثير من الظروف منها السار ومنها المظلم لتأخذ الاذاعة دورها سواء بالضعف والتهميش او بمحاولة الانتصار على الذات لتستقر إذاعة بغداد حالياً.. على اسمها الرسمي "إذاعة جمهورية العراق من بغداد في شبكة الإعلام العراقي" عنواناً تماهى معه المنتسبون وتفاعل معه المستمعون.
إذاعة بغداد الرائعة
قال قائد عمليات بغداد الفريق الركن قيس المحمداوي: "نتفرغ لسماع برامج إذاعة بغداد الرائعة، ولم يشغلنا تعدد الفضائيات بتزويقها وتكنولوجيتها، عن أصالة إذاعة جمهورية العراق، ومنافذ شبكة الإعلام العراقي"، مؤكداً: "يشهد تاريخ العراق الحديث، انطلاق الثورات من إذاعة جمهورية العراق، التي أصبحت بعد 2003 عراقيَّة خالصة، لا تسيس في خطابها ولا تنحاز لحكومة عن اخرى، وإنما تقف على مسافة واحدة من الجميع، لا تميل إلا للوطن وقضاياه الجوهريَّة".
واضاف المحمداوي: " اتمنى ان تتطور مفاصل فروع الاذاعة في المركز الرئيس بشبكة الإعلام العراقي، ومكاتبها في محافظات العراق ودول العالم، وتنسق مع الجهات الوطنية والوزارات أكثر؛ كي تخدم البلد بزخم أشد تدفقاً، يعطيها أصداءً أبعد".
من جهته يرى رئيس شبكة الإعلام العراقي الدكتور فضل فرج الله أنَّ "العراق تفرد بثاني بث إذاعي بين الدول العربية؛ ما شكل نقلة نوعية في بنية المجتمع"، مضيفاً: "الأمر الذي خلق خبرة وهاجة أسفرت عن عددٍ مهولٍ من الإذاعات عقب نيل الإعلام حريته بعد 2003".
وتابع الدكتور فرج الله: "شهد مطلع تموز 1936 انطلاق أول بث إذاعي وطني رسمي يتناغم مع نبض العراقيين اخبارياً وبرامجياً، وهذا ما كشف عن مواهب غنائيَّة ودراميَّة؛ وشعراء أغنية وكتاب سيناريو وممثلين ومعدي برامج ومخرجين وعازفين ومونتيرية، انتظموا في أجيال متلاحقة الى الآن والمستقبل". 
الى ذلك قال نقيب الفنانين الدكتور جبار جودي العبودي: "إذاعة جمهورية العراق من شبكة الإعلام العراقي، تاريخ كبير وعراقة مشرفة وأصالة مهمة ومحترمة، أسهمت في بناء الذائقة العراقية والثقافة العامة بين أفراد المجتمع، ولا تزال تتطور بهمة القيادات الشابة التي تأخذ بواقعها نحو الارتقاء".
وتابع: "قامات إذاعية ودرامية وغنائية نشأت فيها، إنها أكاديمية عمل مهني، فُتِحَتْ آذان الناس عليها".
وبين نقيب الفنانين "وأنا طفل وعيت على الدنيا وفي بيتنا راديو كبير، إنه ظاهرة حضارية وأسماء مهمة، إنَّ الإصغاء لإذاعة جمهورية العراق بهيج"، موضحاً: "الاحتفاء بالذكرى الرابعة والثمانين لتأسيس إذاعة جمهورية العراق من شبكة الإعلام العراقي، جزءٌ من عيد وطني مبارك".
وفي سياق متصل قال عضو هيئة الأمناء في الشبكة الفنان الدكتور حكيم جاسم: ان "مراحل التأسيس دائما ما تتسم بالاشكاليات المرافقة؛ والإذاعة جاءت الى مجتمع بسيط مغلق عن التقنيات، لم يصله ولا الحد الأدنى منها، وإذا به يظهر وسطه هذا الجهاز السحري ذو الوقع الكبير في نفوس الناس"، مواصلاً: "الراديو نقل العراقيين الى عالم آخر غير مرئي، مسموع لكنَّ السمع يميل الى الخيال.. تَخَيُّل عوالم خلف الجهاز.. المستمع يفترض شكل المذيع ومكان الحدث، الآن أية تجربة فنية تخضع للقبول أو الرفض، لكن في العام 1936 الحال لا تقبل إلا النجاح؛ حتى في الدراما، سواء العراقية أو العربية، تجد مساحة للراديو؛ لأنه كان جديداً حينها، أما الآن فأصبح مألوفاً، وجاء التلفزيون والتقنيات الحديثة لم تهمل الاذاعة بل أخذت خصوصيتها".
 
حميمية البنكلة
من جانبه لفت مدير إذاعة بغداد من جمهورية العراق التابعة لشبكة الاعلام العراقي رائد اسماعيل حداد، الى أنها "ثاني إذاعة بعد صوت القاهرة"، مفيداً ان" إذاعة جمهورية العراق اثرت دول المنطقة كافة، الخليج ودول الجوار، وكانت مؤثرة في ثقافات المنطقة، وأسست أبجدية العمل الاذاعي العربي، وواكبتها باقي الإذاعات الخليجية مستلهمة منها فن الإعلام وبناء الاذاعات، وفعلاً تم بناء إذاعات عدة على وتيرتها".
واضاف مدير إذاعة بغداد: "ما زالت اذاعة جمهورية العراق صوت الوطن الذي حمل التغيرات السياسية والاجتماعية، وما مرَّ به العراق وما كانت لتنجح تغييرات سياسية ولا يحدث شيء لو لا إذاعة العراق، التي استمر عملها طيلة أربعة وثمانين عاماً الى أنْ بلغت 2003 واصبحت واحدة من تشكيلات شبكة الإعلام العراقي، ومن خلال الشبكة أدت مهمتها الحقيقيَّة في أنْ تكون نبض الشارع وتلبي احتياجاته الثقافية والفكرية والمتغيرات السياسية".
واكد حداد "برغم تعدد الفضائيات المتاحة للأهالي، لكن لم يستغن المستمعون عن إذاعة جمهورية العراق؛ لأنها محل مصداقية ويقين في كل الأمور، مثلاً: الناس لا تصدق خبراً ولا عيداً إلا من إذاعتنا".
واستدرك الحداد قائلا "هذا المكان مرَّ فيه رؤساء جمهورية ورؤساء وزراء وحدثت فيه وقائع تاريخية مهمة.. من هنا مر التاريخ كله.. التاريخ السياسي والثقافي للعراق، وما زال مرتبطاً بذاكرة الناس.. المثقفون.. شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة وكتاب.. أما عملوا او حضروا ضيوفاً محاضرين أثناء اللقاءات".
واسترجع الحداد ذاكرة "البنكلة" قائلا: "إنها مسقفات تؤدي عمل استوديوهات، تخرج من تحتها مطربون وممثلون ومذيعون كبار، وما زال البناء الحديث مديناً لتلك البدايات البسيطة التي توهج بها إعلاميو العراق.. جيلاً عن جيل".
واوضح حداد: "كانت الإذاعة مصدراً ذهبياً للأخبار والتقارير والفنون.. كل ما يخرج عنها يتلقفه المتلقي على انه مسلمة.. بديهية مطلقة، بضمن المسلمات هي التجارب التي تطرحها الإذاعة والاسماء الاعلامية والفنية التي تتحدث للناس من خلالها. الآن السوشل ميديا تنافس وسائل الإعلام بسرعة وسهولة، وهي متاحة يمكن لاي مواطن التحكم بها. كل مواطن يمكن ان تكون لديه منصة اعلامية خاصة به، وهذا تحدٍ نواجهه من حيث التأثير والرأي؛ لذا فإن إذاعة جمهورية العراق العملاقة قررت ان يكون لها دور في السوشل ميديا؛ كي توصل رسالتها الحقيقية في نشر الخبر الصادق وتفنيد الإشاعة".
وعن الافق المنظور قال الحداد "التطويرات المقبلة في اذاعة بغداد عظيمة.. تأخرت بسبب "كورونا" وهي تطويرات ستجعل إذاعة بغداد أجمل شكلاً وأكثر تأثيراً من خلال مواكبة التطورات، من دون أنْ تتخلى عن هويتها وإرثها"، معبراً عن أنَّ "الخطة المقبلة ستتضمن استوديوهات مرئية تنافس الـ BBC ومونت كارلو.. إذاعة مرئية تصل الى آخر بقعة في العالم؛ لأنها إذاعة دولة، يجب أنْ تبدو بمظهر يليق بقيمة العراق، وقريباً.. إنْ شاء الله، نشرع بالتنفيذ؛ لتكون إذاعة جمهورية العراق أول من تبث بهذا الرونق في الشرق الأوسط، قافزين نحو المستقبل، من دون تخلٍ عن هويتنا.. إنها بكل فخر: إذاعة بغداد من جمهورية العراق في شبكة الإعلام العراقي".
 
بيان رقم 1
وفي الشأن نفسه ألمح رئيس اتحاد الإذاعيين والتلفزيونيين المخرج طالب سلمان الطائي، الى أنَّ "إذاعة جمهورية العراق من بغداد، أحدثت تغييراً واضحاً في المجتمع العراقي، منذ الانطلاقة الاولى بصوت عبد الستار فوزي: - هنا بغداد.. دار الاذاعة العراقية، فقد كانت مفصلاً حيوياً في الانقلابات السياسية الحادة، التي تنعطف بمجريات الشارع العراقي، الى الآن؛ ما يدل على قوة تأثيرها كصنعة إعلامية متقنة، يحرص الإعلاميون على ديمومتها والارتقاء بها من خلال خطط عمل مشفوعة بآليات تنفيذ سيشهدها المستمعون والمعنيون بشؤون الاعلام.. مهنياً وأكاديمياً.. إنْ شاء الله".
الى ذلك قالت الشاعرة علياء المالكي "رافقت المراحل الاولى لتأسيس إذاعة جمهورية العراق متغيرات كثيرة، ذات تأثير كبير، منها مواقفها المشهودة في تصحيح مسارات سياسيَّة، في عهد عبد الكريم قاسم، كما استطاعت اذاعة بغداد تحريك الشارع".
واضافت "شدت إذاعة جمهورية العراق المستمعين الى برامجها محققة أصداءً مهمة، وبعد 2003 حلت ضمن تشكيلات شبكة الإعلام العراقي، وبرغم تعدد المنافذ الإعلامية ما زال المستمعون يترقبونها، كونها تحافظ على السياق القديم الذي يميزها".
من جهتها دعت الشاعرة نجاة عبد الله الى "الإكثار من البرامج العاطفية"، عائدة بالذاكرة الى طفولتها: "كنت أصغي الى برنامج "كلمات تبحث عن مستمع" مختلسة الراديو من أهلي.. أختبئ به، أتماهى مع رقة البرنامج.. برامج اذاعة بغداد التي ما زالت تعطي دفقاً إيجابياً للبنات".
ويفخر مدير مكتب مجلس الأمناء هشام الشديدي بـ"الجرأة السياسيَّة التي تتمتع بها إذاعة جمهورية العراق من شبكة الاعلام العراقي، وهي تذيع بيان رقم واحد الذي يسقط حكومة ويؤسس بديلة عنها.. تغايرها ايديولوجياً".
واضاف"اذاعة جمهورية العراق ستبقى مدرسة اعلامية كبيرة فهي صاحبة التاريخ المجيد والذكريات الجماهيرية المتأصلة في الوجدان العراقي".