من بين الأبوين تخرج القصيدة

ثقافة 2020/07/02
...

عبدالحسين بريسم
 
 
 
قبل الدخول الى عالم نجاة عبدالله في ديوانها – منشغلة حد الأمهات – لا بد من تمهيد عن شاعرة ولدت على ضفاف الماء والشعر وحلقت بعيدا عن الأهوار حيث اليابسة ومدن أخرى بعيدة تبحث عن ذاتها برحلة أعتقد أنها كانت فاشلة بالمعنى الاجتماعي وناجحة في التحصيل الشعري، وقد استحقت نجاة درجة امتياز مع مرتبة الشعر، ولأني أعرف نجاة من عقود من الشعر والماء وايضا البحث عن الضوء، أجدني أحبها شعرا وأيضا زمالة عمل في شبكة الإعلامي العراقي منذ جريدة الصباح الى مجلة الشبكة العراقية وحتى عندما عدت لمسقط رأسي في ميسان جاءت نجاة معي واستمرت بعد ذلك؛ لذلك أجدني مغرما بما تكتب وتعمل في الربح والخسارة أيضا.
انا منشغل الان بما شغلت به – منشغلة حد الامهات – فتقول:
/ تثملُ وحدها برائحة الطغاة .
قلتُ للنادل: أريدُ قهوةً بلا رصاص/ وبلاداً بلا طغاة،/ جاءني بالرصاصِ ملثماً بالبلاد/ وتركَ القهوة الرقيقة
قلت ﻷمِّي: / أريدُ رأسي،/ ماتَ من الضحكِ أبي/ وبانتْ تجاعيدُ المِدفأة. 
قلت لربِّي: أريدُ المكوثَ طويلاً/ كأن الصلاةَ فاكهتي المفضلة ص 14 
من عمق معضلة التفاضل بين الاختيار بين المكوث والرحيل وبين الأب والأم تخرج القصيدة حالمة بالبلاد المسالمة، ولكنها الحرب فلا مكوث فيها ولا رحيل، وتبقى الأمهات منشغلة بالحداد على وطن وأبناء لم يمكثوا طويلا، تشتغل المفردات عند نجاة على محور يكاد يكون طاغيا على أغلب قصائد الديوان وهي متلازمة مع الأحداث – الأم – الوطن – الحنين – الاغتراب - الحرب – الحلم بالسلام حتى تسعد الأمهات ولو في لحظة عابرة، وكل هذا في مركز المفردة "أم" إذ تكررت أكثر من 200 مرة بين –أمي- أم – أمهات، وكل المتن في منشغلة حد الأمهات يتمحور على هذا العالم الذي لا بد منه وإن طال السفر، ومن الملفت للمتلقي أن ديوان = منشغلة حد الأمهات = هو أن جميع قصائده بلا عناوين، وانما جاءت جميعها تحت الدال الأولن وكأن الشاعرة تريد أن ترسل رساله أنها بالضد من عنونة النص لفضاء أكثر حرية للتحليق مما يجعل المتلقي يتواصل من النص من العنوان الأكبر الى أدق التفاصيل في حياه الشاعرة، وهي تأخذ لها تفردا يحسب للمنشغلة حد الأمهات نجاة عبدالله، هكذا تأتي القصائد عند الشاعرة وعلى مدى شعري بلغ 125 صفحة من القطع المتوسط. 
تقول المنشغلة حد الامهات نجاة عبدالله - الكلمة هي الروح التي اِتكأت عليها سلالة بوحي .. بها اِهتديت الى العالم بسراج خافت، وكنت راغبة في فك أزرار تلك القمصان المعلقة على الحائط وأنا أحدس ثمة أجساد منهكة بحاجة غامضة الى أن أبث فيها حياة بيضاء. أما الأنثى فهي الكائن الأكثر مشقة وتحملا لدبيب الحياة، تكتم الأوجاع وتزدهر بها، وقد هالني هذا الكم الهائل من الأناث اللواتي يتنفسن جمر الليالي السود في حروب كثر، وموت يرقد على بابهن.
كانت الأنثى هي الأم الجنوبية المنهكة التي لم أرَ منها سوى وجهها الذي أحرقه لهيب التنور ويديها الحانيتين اللتين تقدمان الخبز بنية الحياة، وكانت الأنثى بعدها هي أختي الكبرى التي تتزين أمام المرآة وتحمل حقيبتها الملونة، لتعود الى كتابة رسائل بيضاء.. توالت الأعوام وانتفخت الورود والأشجار والبساتين بعطر الحب، وأنا أتامل بعينين باردتين الجمرة الأنثى والدمعة الأنثى لأحلق في سماء الشعر، من دون أن أحدس أن هناك عثرات وميتات متراكمة ترمقني وبهدوء تام من بعيد.