باقر جاسم محمد
• في مساء يوم الجمعة 26 حزيران، بدأت أعراض (كوفيد - 19) تظهر عليَّ بوضوح، فقررنا أنا وولدي سامر الذهاب للفحص في أحد المستشفات الأهلية؛ ولم تكن النتيجة حاسمة. وفي يوم السبت الموافق 27 حزيران، ساء وضعي الصحي كثيراً، خصوصاً بعد حدوث إسهال شديد أدى إلى إفراغ كل في جوفي في أقل من ساعة. فكان الرأي أنْ نذهب إلى المركز الصحي في المنطقة التي أسكنها حتى يمكن إحالتي إلى الاستشارية الباطنية في مستشفى مرجان، وهكذا كان.
وبعد معاناة وانتظار طويلين لأكثر من أربع ساعات وتحليلات للدم، كان التشخيص غير حاسم أيضاً، فأعطيت أدوية يجب شراؤها من خارج المستشفى، ولم يجدِ الدواء نفعاً؛ فكان وضعي يسوء يوماً بعد آخر، ففقدت حاستي الشمِّ والتذوق، وانقطعت عن تناول الطعام تماماً، مع الاستمرار في تناول بعض السوائل تجنباً للإصابة بالجفاف. وقد اقتضت حالة الوهن أنْ صار مكان النوم في الصالة الأرضي لأنني فقدت القدرة على الصعود إلى الطابق الأعلى حيث غرفة نومي الخاصة.
• وفي الساعة الواحدة من ليلة 29 على 30 حزيران، وكانت الكهرباء مقطوعة، نهضت بصعوبة بالغة حتى أذهب للحمام، وبعد بضع خطوات لم أستطع التماسك، فانهرت وسقطت على الأرض؛ وقد أحست زوجتي أم سامر بصوت السقوط، فجاءت بسرعة وهي تبكي، وحين لاحظت سوء وضعي قالتْ: «لا تتركني باقر». وبصعوبة، قلت لها: «اتصلي بسامر». وبعد أنْ أعانتني على النهوض والذهاب إلى الحمام، جاء سامر وأعادني للفراش واتصل ببقية أفراد الأسرة. وفي الأثناء لاحظت أن شرايين اليدين والقدمين قد تضاعف قطرها عدة مرات فصارت نافرة على نحو مخيف، وبعد مداولات بين سامر واخواته ثم مع أخيه أحمد في تركيا، وإثر نصيحة طبيَّة من بعض الأصدقاء والأقارب، كان الرأي ألا يجعلوني أنام لفترة طويلة. وهكذا فقد تناوبوا على إيقاظي من النوم كل ساعة والعمل على جعلي أسير بضع خطوات قبل العودة للنوم حتى لا تتباطأ الدورة الدموية ويتوقف القلب عن العمل.
• وفي ذلك الوضع الصحي الصعب، كنت أستعرض صوراً من حياتي وعلاقاتي مع الناس والأصدقاء سواء الذين كنت على اتفاق معهم أو على اختلاف. وقد سرني أنْ أجد نفسي تخلو تماماً من أية مشاعر سلبية إزاء من كنت معهم على خلاف، فكان قلبي عامراً بالمحبة للجميع.
• في يوم الثلاثاء 30 حزيران، ساء وضعي أكثر، فأنا لا أتناول أي طعام، وقد بدا عليَّ الهزال، ولذلك قرر ولدي سامر أننا سنذهب إلى عيادة الطبيب الاستشاري د. (محمد قاسم علوش) الخاصة الذي كان الطبيب يأخذ وقتاً طويلاً في الفحص والمعاينة. وبعد الدخول على الطبيب، قام بمراجعة تحليلات الدم وصور أشعة المفراس، ثم سألني بضعة أسئلة، فأجبته بدقة. وصف لي أدوية قال إنَّ بعضها يجب أنْ يزرق في جسمي الآن، وبعضها الآخر يجب أخذه بدقة وانتظام. وقال أيضاً إنني يجب أنْ أعود للمعاينة بعد مرور أسبوع.
• وقد ثابرت على أخذ العلاج، فظهرت بوادر التحسن بعد أقل من يومين؛ فاستعدت حاستي الشم والتذوق، وبدأت بتناول الطعام أولاً، ثم بدأت أتشهى أطعمة بعينها وأتناول يومياً نحو خمس وجبات. وفي إحدى الليالي استيقظت عند الساعة الثالثة ليلاً، وكنت أشعر بجوع وحشي، فذهبت إلى المطبخ وقمت بإعداد وجبة سريعة لي
• ومن أجل تبديد حالة الصمت والكآبة، كنت أصغي لأغاني فيروز وأم كلثوم وعفيفة اسكندر وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وحسين نعمة من جهاز الموبايل الخاص. ثم حاولت أنْ أعيد صلتي بالعالم الخارجي. ولكنني فوجئت بخلل في عمل الستالايت. وبعد إصلاح الخلل، تابعت أخبار العالم؛ وبخاصة أخبار بلادنا ناهيك عن الصراعات الدولية في شتى أرجاء العالم. وفي الوقت نفسه عدت إلى مشاهدة «الفيسيوك» والرد على بعض الأصدقاء. وكانت عباراتي مضطربة البناء ثم أخذت تتحسن مع تحسن وضعي الصحي. كما أعدت مشاهدة بعض المسلسلات العلمية التي تقدم لنا كوكبنا (الأرض) والطبيعة بكل خفاياها وأسرارها وكيف يتفاعل الإنسان معها.
• في كل هذا الوقت، كنت أفكر بما يدور حولي بوضوح تام؛ فلم أخف أو ارتعب وأنا أحدق في الحياة قبل أنْ يتحقق احتمال مغادرتها. وقد لاحظت أنَّ كلفة العلاجات وأجور المعاينة وأجور فحوص المختبرات والمفراس كبيرة للغاية. ولما كنت متمكناً مادياً من الصرف فلم أجد في الأمر ما أعجز عنه؛ ولكنَّ السؤال المهم يبقى: ما مصير من لا يجد قوت يومه إذا ما أصيب بهذا الفيروس؟
• بعد زيارتين أخريين للطبيب، قال الطبيب: أنت لم تعد مريضاً بـ(كوفيد - 19)، وإذا كانت لديك بعض الأدوية التي لم تتناولها، فارمها وتخلص منها. ثم سألني عن التاريخ الذي اختفى فيه عارض ارتفاع الحرارة، وحين أخبرته له، أجرى بعض الحسابات الزمنية ثم قال: أنت لم تعد حاملاً للفيروس، ولم تعد معدياً؛ وبإمكانك أنْ تمارس حياتك.
• والآن، وبعد اكتساب الشفاء التام من (كوفيد - 19)، أعود بالذاكرة إلى العوامل المحتملة التي أسهمت في تمكيني من النجاة من هذا الفيروس الخطير. فأجد أنَّ من أهم تلك العوامل هي أنني لم أضعف أو أشعر بالرعب أو الخوف، بل كل ما كنت أركز التفكير فيه هو وضعي الصحي في مختلف المراحل وما هي الإجراءات الطبية المناسبة لها؛ كما كان لدور زوجتي أم سامر وما بذله ولدي سامر من جهود عظيمة دورٌ مهمٌ في الشفاء. وكان هناك عامل آخر أسهم في اجتياز هذه المحنة، فمن الناحية البدنية والفيزيقية، كانت مناعتي جيدة، ما مكنني من قهر (كوفيد - 19). وأعتقد أن الفضل الأكبر في الشفاء يعود إلى ذكاء الطبيب د. محمد قاسم علوش، وإلى حرصه ودقته في التشخيص ووصف العلاج المناسب ومتابعة تنفيذه. ولسوف يقول العلم الكلمة الفصل بشأن هذه الجائحة.