ملاحظات صحفية ( 1 )

الصفحة الاخيرة 2019/01/04
...

حسن العاني 
قناعتي الراسخة تفيد، إن عدي صدام كان معتوهاً ومجرماً، مثلما كان الانموذج الاسوأ للعهر السياسي والتسلط والبطش، ومازالت ذاكرتي حية، ففي إحدى انتخابات نقابة الصحفيين، أصدر (الاستاذ الفاضل) أوامره الى عدد من وجوه الحكومة الاعلامية للترشيح (ضده) على منصب النقيب، وقد أصيبوا بالرعب، فمن أين لهم ان يعرفوا اي امر جهنمي يخطط له الاستاذ المراهق، وفجأة – ونحن في القاعة واسماء المرشحين مثبتة على السبورات- صدرت توجيهاته السرية لهم بالانسحاب، وهكذا انسحب الواحد تلو الاخر بطريقة تمثيلية مذلة، بعد أن ألقى كلمة قصيرة أعلن فيها انسحابه لصالح الاستاذ، كونه الممثل القدير والامين على مصالح الصحفيين وطموحاتهم، وفاز عدي بالتزكية!!
أما وقد قطعت ألسنة المتصيدين بالماء العكر فأقول: إن (عدي) هو النقيب الوحيد في تلك المرحلة المظلمة الذي أوجد قانوناً لحماية الصحفيين غير مكتوب، وهو الذي فقأ عين المسؤول امامهم، ومنع حذاء الحماية من أن يطأ الصحفي، وشلّ حناجر الكبار من أن تنالهم بكلمة نابية او صوت مرتفع!! إثنان فقط هما (صدام وعدي) كانا يمتلكان صلاحية اعتقال الصحفي بلا ذنب، أو تعذيبه أو رميه بالذخيرة الحية من دون مخافة الله او مخافة أحد، ومن دون ان يرمش لهما جفن، وبخلافهما لا يستطيع عضو مجلس قيادة ثورة او وزير او نائب او اي عنوان حكومي او حزبي، ان يتطاول على صحفي او يقول له على عينك حاجب، وإلا اقام الدنيا على رأسه ولم يقعدها!! ومن هنا كان اسم (عدي) ونفوذه وجبروته وسلطته التي لا تقيم وزناً للكبار مهما ثقلت موازينهم، قد أنجبت اعرافاً معمولاً بها، لها قوة القانون وهيبته، وهذه الاعراف وضعت (حدوداً) للأطراف جميعها، فالاعلامي يعرف إن حدوده تقف عند (الاسرة الصدامية)، لأنها خط أحمر، لا رحمة لمن يتجاوزه، والمسؤول يدرك إن من واجبه احترام الصحفي والاستماع الى رأيه ونقده وملاحظاته، ولو على مضض، ليس ايماناً بحرية الصحافة والرأي والتعبير، او لكون هذه المهنة تمثل السلطة الرابعة، بل لأن وراء الصحفي (مرجعية) فوق المسؤول، إسمها عدي، وعنوانها نقيب الصحفيين!!
صدام وعدي رسما هذه الحدود، وعملا على إشعار المسؤول إن حجمه صغير مهما كبرت وظيفته، بدليل إنه غير قادر على استغلال سلطته الغاشمة، ضد حلقة واهية ضعيفة اسمها الصحفي لان ظهرها قوي ومرجعيتها فوق المرجعيات، مثلما عملا على إشعار الصحفي بأن (قوته) لا (قيمة) لها من دونهما، وهكذا وضعا خيوط اللعبة وموازناتها وحدودها تحت تصرفهما الكامل!
مع كل هذه الاشكالات، ومع كل الاستهانة المبرمجة بالصحفي والمسؤول على حد سواء، ومع كل ما يقال عن صورة الاعلام السابق، فقد أفادت الصحافة كثيراً من هذه اللعبة، ومنحت الصحفي ما يكفي من (القوة المكتسبة) والمخطط لها، كي يدخل مكتب المسؤول مرفوع الرأس، معززاً (مكرماً) على الرغم من أنف السلطة التنفيذية، وآمل ان أوفق في استذكار عدد من الوقائع التي كنت شاهداً عليها، والوقوف عندها في حلقات مقبلة إن شاء الله.