كيف نحمي أنفسنا من الذي يخالف قواعد التباعد؟

اسرة ومجتمع 2020/08/27
...

ذوالفقار يوسف

 
 
 
الوعي هو أحد أعمدة صلاح المجتمع، إنه العنصر الأبدي في تكوين بيئة صالحة للعيش، هو حوار المستقبل، وبوابة النهوض نحو غد لا فوضى فيه، اما الجهل فهو الحاكم لتلك المجتمعات التي لا تعرف غير الهاوية، وهذا ما نشهده من قبل البعض في اوج محنة البلد التي يمر بها بسبب تفشي وباء "كورونا"، فتارة ترى الجهل في الجار، وتارة اخرى في الاقارب وهم يستبيحون وقايتك بلا حسيب ولا رقيب.
"البوس صار بفلوس"
ان ازدياد عدد الاصابات ووصولها الى اكثر من اربعة آلاف مصاب يومياً، لم يكن كفيلاً بوجوب اخذ الاحتياط، والعمل بنصائح المنظمات العالمية والمحلية، فبعض الافراد لم يصدقوا بعد بوجود الوباء، وآخرون قاموا بتصريحات طبية بانه كمرض الانفلونزا العادية ليس الا، وانها مؤامرة حيكت بفعل الدول العظمى لاسباب غير معروفة، وهذا ما اوضحه الاستاذ ناجي السوداني(44 عاماً)، عندما زاره جار في احد الايام، يقول ناجي: " لقد كنت واسرتي من القلة في منطقتنا ممن يراعون قواعد التباعد وعدم الخروج من المنزل منذ بداية حصول الكارثة، اذ لا شيء يجبرني على ان اجرب حظي في صحتي وصحة اسرتي، الا ان الطامة الكبرى هي كيف تستطيع تلافي من يحاول كسر هذه القواعد، والاصعب من ذلك هو تعريضك لخطر الاصابة بجهله وعناده، وهذا ما حاول احد جيراني القيام به، وبأول لحظة فتحت فيها الباب، مد يده لي، ولولا انني كنت ارتدي الكفوف لما قابلته بالسلام، بعدها هّم بتقبيلي، الا انني وبخجل صددته، ولم اجد غير جملة طريفة اكسر بها لحظة الخجل واقول له" مادريت ياجار البوس صار بفلوس!".
 
حسن وصديقه الأصفر
يشير علم النفس اللوني ورموزه، الى أنَّ اللون الاصفر هو اللون الذي يرمز الى المرض، وهذا ما اثبته الشاب حسن يوسف (23 عاماً) عندما زاره صديقه 
في هذه الايام، التي اصبح فيها الوباء منتشراً في كل حدب وصوب، وهو يرتدي لون المرض، يحدثنا حسن عن ذلك الموقف ويقول:" بحكم تقاربنا وصداقتنا اعتدنا انا وصديقي 
التنزه في كل يوم، الا انه منذ بداية ظهور وباء كورونا، تحتم عليّ المكوث في المنزل خوفاً من التعرض للاصابة، وبالتالي تعريض اسرتي 
لخطر انتقال العدوى بسببي، استقبلته بقليل من الشوق وبكثير من الحيطة، لقد كان يرتدي قميصا ذا لون اصفر، وبعد ان القى التحية والسلام، اراد 
مني ان اذهب معه الى احد المقاهي التي فتحت ابوابها رغم التحذيرات 
والعقوبات، رفضت عرضه 
بحجة ان والدتي ذات مناعة ضعيفة واخاف عليها من الوباء، ليقابلني بالقول " وهل انا من المصابين؟" فاجبته بانني ساذهب معه بشرط واحد، وهو ان يرتدي اي لون غير اللون الاصفر، ليغادرني وقد منعه الزعل من ان يحدثني مرة 
اخرى".
 
أنانية الخال
لم يكن الجيران والاصدقاء الوحيدين في بث ثقافة الاهمال واللامبالاة، فقد دخلت في طابور الجهل فئة اخرى وهي الاقارب، وبالرغم من توقف مزاولة كل التقاليد التي كانت تحدث قبل ظهور الوباء من قبل الاقارب، كحضور المناسبات المفرحة والمحزنة ، الا ان البعض منهم لم يبال بخطورة الوضع، كان احمد سلام (37 عاماً) احد ضحايا انانية هؤلاء الاقارب حدثنا بحزن عبر الهاتف: " انا الان مصاب بوباء كورونا والسبب كان سوء تصرفي، اضافة الى انانية خالي، فقد اصيب الاخير بالوباء خلال عمله في احد المحال التجارية، وفي تلك الاثناء وعند علمنا باصابته اتصلت عليه لاطمئن، ليقابلني بكذبة ان نسبة اصابته بالوباء منخفضة الخطورة، وانها غير معدية، وطلب مني الحضور الى منزله بحكم القرابة الوطيدة التي بيننا، رفضت اول مرة بسبب الخوف، ولكن اتصاله مراراً وتكراراً جعلني خجلاً في ان ارفض زيارته، شربنا الشاي سوية، هو بكأس انانيته، وانا بكأس الجهل، ليزداد عدد المصابين شخصاً 
اخر".
 
"مثل بلاع الموس"!
نحن شعب له اهتمام كبير بتقاليده التي دامت لسنين، فزيارة المريض واجبة، كما هي زيارة من يعود من اداء مناسك الحج، اما المناسبات التي لم يتوان البعض في ادائها، فقد لا يمر يوم واحد الا وسمعت بإن فلانا قد تزوج ويجب حضور زفافه، او الصديق الفلاني قد وافى احد اقربائه الاجل ويجب اداء الواجب وتعزيته، وهنا تكمن المشكلة ونحن في خضم هذه الازمة، سلوان العتابي (33 عاماً) يحدثنا عن موقف غريب ليقول: " لقد توفي عم احد اصدقائي، فقمت بالواجب والذهاب لتعزية صديقي واهله، جلسنا لعدة دقائق في داخل المنزل، وذلك بسبب عدم اقامة سرداق عزاء، بادرت صديقي بالسؤال عن سبب الوفاة، فاجابني بأن السبب سكتة قلبية، وبعد ان عدت الى المنزل وانا اقلب صفحات "الفيس بوك"، 
وجدت بأن احد اصدقائي في الموقع قد نشر تعزية لعم صديقي المتوفى، وقد ذكر بأنه توفي بسبب اصابته بالوباء، ما جعلني اتفاجأ لعدم اخبار صديقي لي بالحقيقة، فهل الخجل من المرض كان السبب في تصرفه، ام ماذا؟ وهل هناك حياء في المرض، لقد 
كان الاجدر به أن يخبر الجميع بسبب الوفاة حتى لا يعرض القادمين من اجل التعزية لخطر الاصابة، عاتبته عند رؤيتي 
له، لكذبته اولا، ولتعريضي لخطر الاصابة بسبب خجله من الافصاح بالحقيقة وغادرت، اما هو فقد كان مثل الذي يضع شفرة داخل فمه، فلا هو يستطيع ابتلاعها ولا هو الذي يستطيع ان يبقيها في 
فمه".