ترجمة: نادية مختار
تعد المستويات العالية في الدم من المادة المسماة “هوموسيستين homocysteine” عامل خطورة بالنسبة للنوعين الشائعين من الاختلال العقلي الشديد: الاختلال العقلي الوعائي ومرض الزهايمر، كما جاء في بحثٍ علمي نشر في العام 2016 ــ وهو عامل خطورة يقع ضمن قدرتك على التحكم به، وفقاً لماريا كروس في مقالها هذا.
فالهوموسيستين العالي دليل على انخفاض في فيتامين B12، كما أنه عامل خطورة لأمراض شديدة أخرى، خاصةً المرض القلبي الوعائي والسكتة، لكونه قد يدمّر جدران الأوعية الدموية. ويمكن تخفيض الهوموسيستين بسهولة، وإدراك بعض الناس هذه الحقيقة يمكن أن يشكّل تغييراً لحيواتهم الشخصية.
لكن هل سمعتَ بهذا الهوموسيستين؟
عليك أولاً أن تعرف أن الاهتمام بهذا الأمر لا ينحصر بالكبار فقط، فالصغار في السن يمكن أيضاً أن يصابوا بفقدان الذاكرة، نتيجةً لنقص فيتامين B12 لديهم. ففي العام 2013، نشرت “مجلة علم النفس وعلم الأعصاب السريري Clinical” حالة رجل في سن 27 عاماً ظل يعاني من تغيرات سلوكية تضمنت أوهاماً و”ميولاً تجوّلية”، وقد شُخِّصت إصابته بالذهان، وهو اضطراب عقلي شديد، وأعطي أدوية مضادة للذهان، لكن هذا العلاج لم ينفع، وعاد بعد شهر من ذلك إلى حالته السابقة، مع أعراضٍ أكثر: العدوان، العجز عن ضبط التبوّل، ومشكلات في الذاكرة.
وقد أظهر تفرُّس مقطعي مُحوسَب CT scan بعض الانكماش أو الضمور الدماغي (atrophy)، وأوضح اختبار دم أن هناك انخفاضاً شديداً في فيتامين B12، فأُوقف العلاج المضاد للذُهان، وأُعطي المريض بدلاً من ذلك حقنات فيتامين B12عضلية ــ يومياً في الأول، ثم أسبوعياً، ثم شهرياً، وقد تم حل مشكلات الذاكرة، والأعراض السلوكية (و العجز عن ضبط التبوّل) جميعاً ضمن شهر واحد، وأُخرج من المستشفى.
ما هو الهوموسيستين ؟
إنه حامض أميني يتم تكوينه خلال استقلاب الميثيونين methionine الحامضي الأميني إلى سيتئين cysteine. وعاديّاً، تُحفظ المستويات ضمن حدود معينة، لكن حين لا يعمل النظام، فإن المستويات ترتفع.
وهكذا يكون الهوموسيستين متورطاً في ضمور الدماغ، والمتأثر فعلياً هو قُرين أمون في الدماغ hippocampus، الذي يشكّل منطقة من الدماغ متّصلة على نحوٍ وثيق جداً بالذاكرة، وكلما كان الهوموسيستين أعلى، كان مستوى الضمور أعظم، كما هو واضح من التصوير المغناطيسي للارتباط بين الجزيئات لدى الأشخاص المتقدمين في السن.
وبعض الانكماش الدماغي اعتيادي مع التقدم في السن، حتى لدى الأشخاص غير المصابين بتلف الإدراك، فسرعة الضمور هي التي لها علاقة بذلك، كونها تدل على أن شيئاً ما ناقصاً هنا.
أهمية ثلاثي فيتامين ب
إن استقلاب أو تحوّل الهوموسيستين الاعتيادي ينظّمه ثلاثي فيتامين: B12، فولات (أي مِلْح حَمْضِ الفوليك)، وB6، العاملة معاً كعوامل مشتركة، ولتخفيض مستويات الهوموسيستين في الدم، فإنك لا تحتاج إلا إلى تناول منتظم لهذه الفيتامينات
الثلاثة.
“فتركيزات الهوموسيستين في البلازما يمكن تخفيضها بواسطة إدارة غذائية منظمة لفيتامينات B”. (سمث
وآخرون 2010).
ونقص فيتامين 6B غير شائع وغير محتمل الحدوث بالنسبة لمعظم الناس، إذ انه موزَّع بين نطاق واسع في الغذاء.
أما نقص فولات، فهو أكثر شيوعاً، وللحصول عليه فإنك تحتاج لتأمين كمية منتظمة من الخضراوات الورقية الخُضر، مثل السبانغ والبروكلي، وهو موجود أيضاً في الهليون، والحمص، والعدس، والفول السوداني، والبندق، وكبد البقر، وغيره.
وأما فيتامين B12، فهو الفيتامين الأكثر زوغاناً، أو الفيتامين الأكثر احتمالاً للغياب عن الحميات الغذائية، ويعتقد معظم الناس أنه موجود فقط في الأطعمة ذات المصدر الحيواني، وأن مَن يتجنب هذه الأطعمة، يحتاج لأن يسد النقص بالطريقة المناسبة له، إلّا أنه، في واقع الحال، متوفر في اللحوم الحمراء، ولحوم الدجاج، والأسماك، والمحار، والبيض، وغيرها.
وقد وجدت دراسات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن 6 % من الأشخاص الذين تجاوزوا سن الستين ينقص لديهم فيتامين B12، وأن هذه النسبة تزداد مع التقدم في العمر لترتفع إلى 10 ــ 15 %. ويُعزى هذا النقص إلى الشيوع المرتفع في حالة الضمور المَعِدي بين الكبار في السن، وهذا الضمور حالة ترتفع عندما تصبح بطانة المعدة ملتهبة، نتيجة للإصابة ببكتيريا المَلْوِيَّة البَوَّابية (نوع من الجراثيم والنتيجة هي سوء في الامتصاص، إضافةً لأمور أخرى.
أما بالنسبة للصغار في السن، فإن سبب نقص فيتامين B12 على الأرجح هو تجنب النظام الغذائي، كما يمكن أن يتسبب نقص فيتامين B12 في ظهور أعراض لنوع من الاختلال العقلي لدى الصغار في السن، لكنها أعراض قابلة للانعكاس، حالما يتم تحديد السبب.
وفي حالة الشخص البالغ من العمر 27 عاماً الآنفة الذكر، فقد أظهرت الاستعلامات بشأن حميته الغذائية أنها نتيجة لتناولٍ “منخفض جداً” للغذاء الحيواني المصدر.
ويمكن القول أخيراً إن فيتامين B12 ، ولكونه قابلاً للذوبان في الماء، مهم جداً للدماغ وللجهاز العصبي. إذ يمكن أن يكون هناك، إضافةً لفقدان الذاكرة، ذُهان، واكتئاب، وتشوّش، وفي النادر شيسزوفرينيا، لدى مَن يُصاب بنقصٍ في هذا الفيتامين.