انتشرت مبادئ الإمام الحسين (ع) عبر طريق الإصلاح والتغيير نحو الأفضل، وهذا هو ما كانت عليه رسالات الأنبياء والأئمة (ع). فالمجتمعات البشرية بحاجة دائمة للإصلاح، وتوجيه الناس نحو عبادة الله عز وجل، ومحاربة الفساد والإفســاد، وإشاعـة القيم والمثل العليا، وتكريس مكارم الأخلاق، وبناء جيل صالح، ومجتمع راشد.
فكان الأنبياء والأئمة (ع) يسعون دوماً إلى إصلاح العقيدة، وإصلاح الأخلاق، وإصلاح المجتمع، وإصلاح الفكر والثقافة، وإصلاح السلوك والعادات الفاسدة. وبهذا فإنَّ رسالة الإصلاح هي رسالة الإمام الحسين (ع) التي من أجلها ثار ونهض وقدم نفسه وأهله وأصحابه فداءً من أجل تحقيق الإصلاح الشامل في الأمة.
يقول الإمام الحسين (ع) وهو يعلن الهدف من ثورته: (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين).
وبهذه الكلمات البليغة أوضح الإمام الحسين (ع) الهدف من ثورتــه، وهو الســعي من أجل تحقيق الإصلاح الشامل في الأمة، وليس تحقيق أية مصالح شخصية، أو السعي من أجل تسلم السلطة، إذ كان الإمام الحسين (ع) يعلم بأنه سيقتل في المعركة؛ ومن هنا تبرز عظمة الإمام الحسين (ع)، إذ إنه ضحى بنفسه وبأهله من أجل تحقيق الأهداف السامية المتلخصة في الإصلاح الشامل، والقضاء على الفساد السياسي، ونشر القيم والمبادئ والمثل.
إنَّ أهم درس يجب أنْ نتعلمه من نهضة الإمام الحسين (ع) هو الاستعداد لتقديم كل غال ونفيس من أجل الإصلاح في الأمة، فالإصلاح لا يمكن تحقيقه بالأماني والأحلام، وإنما يحتاج إلى إرادة وعزيمة، وعمل دائم، ونشاط مستمر، واستعداد للتضحية بمختلف أشكالها من أجل الوصول إلى الإصلاح الشامل في الأمة.
وفي هذا العصر حيث كثر الحديث عن الإصلاح بمختلف أشكاله وأقسامه، يحتاج الإنسان إلى استخدام قدراته العقلية بذكاء من أجل التمييز بين الإصلاح الحقيقي الذي من أجله ثار الإمام الحسين ضد الواقع الفاسد، والإفساد الذي يُعنون بالإصلاح: وإذا قيل لهم لا تفسدوا، قالوا انما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون). فالمفسدون في الأرض من أجل نشر أهدافهم الخبيثة يرفعون شعار الإصلاح، ويعتبرون أنفسهم من المصلحين، وما هم في الحقيقة إلا من عتاة المفسدين.
ولذلك، يجب الانتباه لدعوات الإصلاح المزيفة التي تهدف، فما تهدف إليه، إلى نشر مبادئ الإلحاد والإفساد، وإضعاف تمسك الناس بالدين، ونشر التحلل الأخلاقي، والقضاء على قيم الأسرة والأسرة. إنَّ الإصلاح الذي تحتاج إليه الأمة في هذا العصر، وفي كل عصر هو الإصلاح الذي أعلن عنه الإمام الحسين (ع) وهو الإصلاح الشامل المشتمل على إصلاح العقيدة، وإصلاح الأخلاق والسلوك، وإصلاح الثقافة والفكر والمعرفة، وإصلاح السياسة، وإصلاح الاقتصاد، وإصلاح المجتمع، وإصلاح الإعلام ...إلخ .
ولا خيار أمام الأمة الإسلامية كي تتقدم وتتطور حضارياً إلا بتبني خيار الإصلاح الحقيقي القائم على أسس سليمة، والمنطلق من حاجات الأمة للإصلاح . أما الإصلاح المنطلق من رؤية الغرب لنا فإنه وإنْ رفع شعارات براقة وجميلة إلا أنه في المحصلة النهائية يريد الوصول لأهدافه الخاصة به والتي قد لا يناسب بعضها ثقافتنا العربية والإسلامية. وهنا يجب التأكيد على حقيقة مهمة وهي أنه يجب علينا أنْ نبدأ عملية الإصلاح الشامل لمجتمعنا قبل أنْ يفرضه علينا الغرب برؤيته وفلسفته في ظل عولمة يراد فرضها على الجميع. ويمكن تلخيص أهم مفردات الإصلاح الشامل والحقيقي الذي تحتاجه الأمة الإسلامية في مجموعة من العناوين كالدعوة إلى توسيع دائرة الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان، والحفاظ على الوحدة الإسلامية في إطار التنوع، وترسيخ العدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروة، وتكافؤ الفرص، والموازنة بين الحقوق والواجبات، وإشاعة ثقافة التسامح والحوار.. إلى آخر ما هنالك من مفردات مهمة في عملية الإصلاح الشامل والحقيقي.
علينا أن نجدد ذكرى عاشوراء بالتمسك بالأهداف التي من أجلها ثار الإمام الحسين (ع) ضد الواقع المنحرف. والتي من أهمها: الإصلاح الشامل للأمة، والهدف الآخر الذي ما فتئ الإمام الحسين (ع) يذكر به حتى أعداءه هو إعلاء مبدأ (الحرية) باعتبارها الوسيلة المهمة لتحقيق إنسانية الإنسان، وبها يستطيع التعبير عن آرائه وأفكاره ووجوده.
لقد كان الإمام الحسين كثيراً ما يركز على أهمية التحرر من الذل والقهر إذ يقول (ع): (لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد)، ويقول لأعدائه مطالباً إياهم بالتمسك بالحرية: (إنْ لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم).