شهدتُ ذلك بنفسي إبّان سبعينيات القرن الماضي، حين كانت العوائل الكربلائية تبادر في اليوم الأول من شهر ربيع الأول، إلى رمي جرّة فخارية باب الدار، مملوءة بالماء وقطع من النقود المعدنية، مكوّنة غالباً من الفلاسين وقطعة الخمسة فلوس، فيتجمّع الصبيان على أبواب هذه الدور في أزقة مدينة كربلاء ومحلاتها القديمة لالتقاط النقود من الجرّة المكسورة، وهم يهزجون بإيقاع منظم: "راح صفر جانه ربيع، يا محمد يا شفيع" أي: انتهى صفر بإيقاعه النحس الثقيل عند الناس، وجاء ربيع، وعذراً على العامية!
من أسبانيا تابعتُ مرّات عدة الاحتفال العجيب الغريب لأهل مدينة فالنسيا، آخر أربعاء من شهر آب من كلّ سنة، وهم يرشقون بعضهم بعضاً بأطنان من الطماط، حتى يسيح معجونها أنهاراً في شوارع المدينة!
يقوم أقرباء وأصدقاء العريسين في بعض قرى ألمانيا، بتكسير الأطباق والأقداح والأواني الخزفية في منزل العروسين، وينبغي لهما المبادرة إلى تنظيف المكان من هذا الركام، كدالة على تحمّل المسؤولية والاعتماد على أنفسهم، بداية الحياة الزوجية.
يميل الفرنسيون إلى إحداث الصخب والضوضاء في عيد الميلاد، إيماناً منهم أن هذه الحالة تطرد الأرواح الشريرة. كما يعتقدون أن أول شخص يدخل المنزل صباح ذلك اليوم، يرمز إلى مآل السنة، وكيف ستكون لأصحاب البيت، فإذا توسموا به الخير فهي سنة خير، وإذا توسموا بوجهه النحس، فستكون سنة نحس وسوء عليهم!
إذا بلغ عمر الطفل في غانا سنةً واحدة أو أكثر قليلاً يوضع في الوسط وحوله، دمية ونقود معدنية، وكتاب. فإذا اختار النقود، فهو مؤشر على غناه وثرائه في المستقبل، وإذا اختار الدمية فسيكون كثير الأولاد، أما إذا وقعت يداه على الكتاب، فسيشير هذا الاختيار على أنه سيكون معلماً في المستقبل.
في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا وغيرها من البلاد، يبهرني ذلك الإصرار، وأنا أتابع على مدار سنوات، مشاهد مبادرة فئات مجتمعية، على السباحة في الأنهار والبحيرات وشواطئ المحيطات، كجزء من تقاليد الاحتفال بعيد الميلاد، لم يثنهم الطقس المتقلب، الذي تنحدر فيه درجات الحرارة إلى الصفر أو ما دونه أحياناً، كما لا يميز هذا التقليد بين الرجال والنساء وكبار السن والصغار.
على ذكر كربلاء، كنتُ وأحد الأصدقاء قصدنا هذه المدينة لزيارة سيد الشهداء في يوم شاتٍ شديد البرودة، حين مررنا بسيارته على بعض أفرع الفرات بعد سدّة الهندية، وكانت المنطقة خالية من الناس ينتشر فيها النخيل، فما كان منه إلا أن رمى نفسه بالفرات وغطس بمياهه واغتسل فيه غسل الزيارة، في مشهد لا يزال يثير في نفسي الإعجاب لهذه المبادرة، التي تبعث القشعريرة في جسمي كلما ذكرتها!