الأمل يشرق من بيت فيروز

الصفحة الاخيرة 2020/09/09
...

سامر المشعل

رسائل كثيرة بعثتها زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون، الى منزل السيدة فيروز في " الرابية "، وهو يحاول أن يمد يد المساعدة، لينتشل لبنان من حافة الهاوية، بعد أن سقطت السياسة اللبنانية في مرفأ الفساد والانقسام الحاد بين الفرقاء السياسيين والشعب اللبناني، الرافض للطبقة السياسية بالجملة.
اولى هذه الرسائل كانت ان الفن هو اسمى وانبل من السياسة، عندما يرتبط برسالة انسانية ووطنية، وان فيروز هي وجه لبنان الانصع، لذلك كانت فيروز هي محطة ماكرون الاولى في جولته الثانية الى لبنان، ومنحها اعلى وسام للحكومة الفرنسية هو " وسام جوقة الشرف الفرنسي "، بالمقابل اهدته فيروز لوحة فنية.
في لحظات الاحباط العام التي تسود الحياة اللبنانية، عادة ما تطل فيروز لتبث الامل في نفوس اللبنانيين فهي مرجع للامل والانتصار الوطني، وهناك الكثير من المواقف والمفاصل التاريخية التي هزت لبنان، كانت فيها فيروز البلسم المداوي لجراح اللبنانيين النازفة.
فيروز لم تغادر لبنان اوقات الشدة والحرب الاهلية، التي بدأت منذ منتصف السبعينيات الى مطلع التسعينيات، لتخلد الى الراحة والامان في بلد آخر يحميها من طيش رصاص الطوائف المتحاربة ومليشياتها وانعدام الخدمات، مثل ما يفكر اغلب الفنانين، انما كانت تتنقل بين بيتها في بيروت الغربية، الى بيتها الاخر في بيروت الشرقية، اي مرة تكون بين المسيحيين ومرة بين المسلمين.. من دون أن يمسها احد المتحاربين، لان فيروز امتلكت حصانة حب الوطن، ما جعلها ترتفع في نظر شعبها عن الطائفية.. والمفارقة أن جميع الفصائل المتصارعة، اوقات الاستراحة يستمعون الى صوت فيروز، فهي الانموذج اللبناني الانقى الذي تتوحد جميع الاطياف اللبنانية بحضرته.
لذلك اكتسبت فيروز المهابة والرمزية العالية، ليس بما تقدمه من فن رفيع ملتزم ومتفرد وانما بانتمائها الوطني وتقديسها لتربة وحضارة لبنان، وهذا منحها حب وتقدير العالم لها. حتى ان الرئيس الفرنسي كان أشد حماسة وشوقا للقاء فيروز، فهي ارفع من كل الاوسمة والتيجان واعلى رمزية من كل الرؤساء والقادة، وسبق أن حصلت فيروز على وسام من الرئيس الفرنسي ميتران في العام 1988 ومن الرئيس جاك شيراك في العام 1998.
الواقع العراقي كان أكثر تفاعلا بلقاء ماكرون بالسيدة فيروز، لا سيما أنه توجه من بيروت الى بغداد مباشرة، وكشفت الطروحات والاسئلة التي اثيرت في مواقع التواصل الاجتماعي، عن الرمزية الفنية أو الثقافية التي تفتقدها الساحة العراقية حاليا، مع الفارق ان فيروز ايقونة للجمال الفني والوطني لها بريق عالمي، ولا يمكن ان تقارن مع فنان آخر.
فيروز التي تدخل عامها الـ 85 بعد ايام ظهرت مشرقة بالصحة والجمال لتفند ما اشيع مؤخرا عن تدهور حالتها الصحية. فيروز التي تضع على باب بيتها لوحة " ممنوع التصوير " اشترطت على ماكرون أن يأتي لوحده من دون حماية أو حراس، فيما كشفت الزيارة عن بساطة اثاث بيتها، الذي يشبه بيوت " الضيعة " ما زادها تفرداً في نظر الناس.