البديع من قوافي التقريع

ثقافة 2019/01/08
...

حسين الصدر
- 1 - 
أهدى (احمد بن محمد بن خالد) ليلة عيد الأضحى بقرةً لابن بسّام البغدادي فاستقلّها وردّها وكتب اليه:
كَمْ مِنْ يدٍ لي اليك سالفَةٍ 
وأنتَ بالحقّ غيرُ مُعْترِفِ 
نفسُك أهديتَها لأذبَحَها 
فصنتُها عَنْ مواقعِ التلفِ
اعتبر ابن بسام البقرة المهداة نفس صاحبه ابن خالد ، وفي هذا من التوهين ما فيه .
واذا كانت العادة أنْ تذبح الأضاحي في عيد الأضحى المبارك، فانَّ ابن بسام لم يذبح تلك البقرة لأنها (نَفْسُ ابن خالد) التي أرسلها هدية له فصانها عن الذبح ..!!
ثم انه وبّخه على مقابلة أياديه البيضاء عليه بالنكران وعدم الاعتراف .
وقد كشفت الهدية الحقيرة عن تلك الحالة المقيتة .
 
- 2 -
ونظير ذلك ما قلناه في احدهم وقد نسيَ ما أسديناه له من إحسان وقابَلَنا بالجحود والنكران :
تنّكرَ صاحبي فيئستُ منه 
وإنّ اليأسَ احدى الراحتيْنِ
وكانتْ لي عليهِ يدٌ جفاها 
ألا شتانَ ما بَيْنَ اليديْنِ
ان مقابلة الاحسان بالنكران من أسوء ما يجترحه
 الخلاّن ..!!
 
- 3 -
وقد أهديت (حلاوة) لابن الاعمى كمال الدين (علي بن محمد بن المبارك) المتوفى سنة 692 هجرية ، فوجدها رديئة فلم يطق السكوت فكتب الى مرسل صحن الحلاوة :
انّ في صحنك المسمّى حلاوه
رقةً تُورث القلوبَ قساوه
كم حفرنا فلم نجد غير أرض
الصحن يبساً كمثل أرضِ السماوه
لستُ أدرى من سُكّر كان أمْ مِنْ 
عَسَلٍ حينَ لم تُشِبْهُ نداوه
غير أنّي رأيتُ صحناً صغيراً 
ما عليهِ من النعيمِ طلاوه
شبّهته العيون حين أتانا 
وجهَ مولودةٍ عليه غشاوه
لاتَكنْ تحسب الصداقة هذا 
ليس هذا صداقةً بل عداوه
إنّ الهدية اذا لم تكن مُناسبةً للمُهدى اليه ربما أضرّت بَدَلَ أنْتنفع ..!!
لقد كان الصحن صغيراً للغاية وكانت الحلاوة رقيقة يابسة ،
لا يُعلم من أين جاءت حلاوتُها المزعومة، هل من السُكّر أم من العسل ، حيث غابت الآثار واختفت (النداوه!!(
وعلى كل حال ، فقد اصبحت الحلاوة ذميمة حتى كأنها جاءت من عدّو
لا من صديق ...
وهذا ما يكشف عن أعظم ألوان الاستياء والضيق ...
 
- 4 -
وتذكرني هذه الحلاوة بالحلاوة التي قيل ان معاوية أرسلها الى ابي الاسود الدئلي يستمليه عن حُبِّ اميرِ المؤمنين (ع)فسارعت ابنتُه الصغيرة الى الأكل منها 
وحين علم بذلك قال لها :
انّ معاوية أرسل لنا هذا الطبق من الحلوى ليصدنا عن ولائنا لامير المؤمنين ...فعالجت الطفلة نفسها حتى قاءت ما أكلت وقالت :
تباً لِمُرسِلِه وآكِلِه ،
لقد لعنت نفسها، مع انها لم تكن تعلم بالدوافع الخفية لارسال طبق الحلوى اليهم 
ثم أنشأت تقول :
أبالشهدِ المزعفرِ يا ابنَ هندٍ 
نبيعُ عليك أحسابا ودينا
معاذَ الله كيف يكون هذا 
ومولانا أميرُ المؤمنينا
أقول :
 
وليست بغريب على طفلةٍ تنشأ في كنف أبي الاسود الدئلي ، الاديب الضليع ، واللغوي الكبير، ان تمتلك القدرة على قول الشعر .
 
والمهم هنا :
انّ حب أمير المؤمنين (ع) يسري مع الدماء في أجساد مواليه وأنصاره.
وتلك هي المزية الفريدة .
ان الولاء الصادق هو زاد البنت من أبيها .
وهو ميراث كل المحبين المخلصين الموالين لأمير المؤمنين ولابنائه الأئمة الهداة الطيبين الطاهرين ورحم الله من قال :
لا عذّب الله أمي إنها شربتْ
حُبَّ الوصيِّ وَغَذَّتْنِيهِ؛ باللبنِ
وكان لي والدٌ يهوى أبا حسنٍ 
فصرتُ من ذي وذا أهوى أبا حسنِ