دراما عراقيَّة ضدَّ الإرهاب «سبايكر» أنموذجاً

استراحة 2020/09/20
...

رضا المحمداوي
 
«سبايكر» تحت هذا الاسم المُجرّد جاء العنوان للثلاثية التلفزيونية التي أنتجتها قناة (العراقية) لمؤلفها بكر نايف ومخرجها أحمد منادي، وهي تتصدى بالمعالجة الدرامية للواقعة العسكرية 
التي راح ضحيتها ما يقرب من 1900 شهيد من قواتنا العسكرية في المعسكر الذي يحمل الاسم ذاته في مدينة تكريت 
وذلك بعد أيامٍ من دخول عصابات داعش الإرهابية الى 
الموصل عام 2014.
 
ومع ذكرى هجوم العصابات الإرهابية على محافظاتنا ومدننا الآمنة، والذكرى السنوية لحدوث هذه المجزرة، أعادتْ (العراقية) عرض هذه الثلاثية بطريقة جديدة، إذ جَمَعَتْ الحلقات الثلاث ودمجتْها في عمل درامي واحد وأصبحتْ أشبه بالفيلم التلفزيوني المتكامل لتعرضه بمناسبة هذه الذكرى الأليمة.
 
جرح عراقي
ومن خلال إنتاجها لهذه الثلاثية تكون (العراقية) قد وضعتْ يدها على جرح عراقي ما زال نازفاً رغم السنوات التي أعقبتْ حدوث تلك المجزرة الإرهابيَّة، فهذه الواقعة بجوانبها العسكرية وتداعياتها الأمنية والسياسية أصبحتْ ملفّاً أمنياً شائكاً ليس من السهل تداوله، أو تقليب أوراقه، أو محاولة الوصول إلى حقيقة ما حدث على وجه الدقة والتحديد، خاصة أنَّ الدراما العراقية لم يَسبقْ لها أنْ تناولتْ أو عالجتْ هذه المجزرة درامياً.
وقد ألقتْ هذه المحاذير والتحفظات الكثيرة بظلالها على العديد من مفاصل السيناريو والمعالجة الدرامية التي قدَّمَها المؤلف في مغامرتهِ هذه وهو ليس بالسيناريست المتمرس، أو صاحب تجربة درامية بإنجازات معروفة، الأمر الذي تَرَكَ تشويشاً وعدم وضوح في الرؤية الإخراجية لدى المخرج وهو يخوض تجربتهِ الإخراجية الدرامية الأولى مع موضوعة صعبة ومُعقّدة.
لقد بَدتْ الثلاثية معنيّةً على وجه الخصوص بسرد حكاية نجاة «علي» أحد الجنود من تلك المجزرة وعودتهِ إلى أهله سالماً من دون الخوض في جوانب الواقعة وأسباب حدوثها وأسرارها وخفاياها العسكريَّة، حسناً لقد عرفنا ذلك من خلال تمثيل مدرسي باهت للممثل (محمد الغضبان) فماذا عن قصص بقية الضحايا الذين ما زال أهاليهم يبحثون عن رفاتهم بعد تلك السنين.
إنَّ الجانب المهم الذي ثَلَمَ الكثير من مصداقية الثلاثية هو غياب التفاصيل الحياة العسكرية بجميع جوانبها، حتى أننا لم نَرَ أيّ ضابط مهما كانتْ رتبته في أيّ مفصل أو جوانب تفصيليَّة شهدتها الواقعة، ففي الحدث المهم الذي تمثّلَّ في الإيعاز إلى الجنود بترك ومغادرة المعسكر ومن ثم اعتراض حراس ذلك المعسكر على خروج الجنود وتحذيرهم من تعرضهم للقتل على أيدي 
(داعش)، غابتْ الأوامر العسكريَّة المركزيَّة ومَنْ يصدرها أو ينفذّها أو يشرف عليها؟!
وَوَقعَ السيناريو في محور مهم وحيوي منهُ في تناقض صارخ - لم ينتبهْ له المخرج - بين مشهد إطلاق النار على رأس الجندي «علي» من قبل الإرهابي، وبين مشهد «علي» وهو يروي لصديقه عباس طريقة نجاته من الموت.
 
حضور بارد
ولم يكنْ حضور عناصر «داعش» بالهمجية والدموية التي عُرفوا بها، ولم يتجسد فنياً على نحو مؤثر من خلال شخصية «الداعشي» «الممثل: أحمد شرجي»، إذ كان حضور الشخصية بارداً لا حيوية فيه بسبب عدم رسم الشخصية على نحوٍ مقنع ومؤثر.
في حين كان يمكن للشخصية التي أداها الفنان: محمد هاشم بكل امتلاء عاطفي واقتدار فني - رغم بكائيتها - في الجزء الأخير من الثلاثية، أنْ تجد لها امتداداً ومساحةً أكبر في النص.