ناطق .. طائر الشوق الحزين!

الرياضة 2020/09/25
...

علي رياح  

 جاءني خبر الرحيل عاصفا أو كأنه الزلزال . لم يكن ناطق هاشم يشكو ألما محددا – أو هكذا كان يُوحي لنا - حين التقينا في شهر آب من عام 2004 وكانت المرة الأخيرة، في مقر جريدة (سبورت توداي) بشارع المغرب وكان شريكنا في اللقاء الزميل حسين سلمان .. كانت ضحكته المعهودة التي تشي بعمقه الناصع المكشوف تتسيّد الساعات الثلاث التي أمضيناها معا!  
لكن التفاصيل كانت مختلفة حين أصرّ أبو أحمد على العودة بي إلى داري بسيارته التي جرى شحنها من دبي، وكانت كل الرصيد المتبقي لديه .. فقد كانت يده ممدودة، وهو الكريم الذي لا يدّخر شيئا لنفسه إذا كانت للآخرين حاجة .. قلت إن التفاصيل اختلفت عندما كان طريق العودة يحمل الشجن كله .. كان ناطق يتحدث عن مرارة العيش خارج العراق، وكنت أقول له : أصبر، الأوضاع الآن ليست على ما يرام لا أمنيا ولا كرويا، وكان يقول : ومتى يستقر هذا البلد؟ أريد العودة للعيش بين أهلي وأصدقائي وهذا الجمهور الوفي الذي شغلني وشاغلني خلال مدة الإجازة هذه!  
كانت كلماته في تلك اللحظات كالقطرة التي أفاضت الكأس، فللمرة الأولى شعرت بالقلق يتسلل إلى نفسي على ناطق بعد كل مساحة البوح هذه وهو الذي لا يرى الناس في العادة إلا الابتسامة عنوانا عريضا وثابتا على مُحيّاه!  
في اليوم التالي كان (بلاتيني العرب) يعود إلى سلطنة عمان ليواصل رحلة العمل التدريبي في ديار الغربة .. أشهد أن الأشقاء العمانيين كانوا يحملون ناطقا على كفوف الراحة، ولم تكن هذه مشكلته أبدا .. مشكلته أنه يريد العودة إلى العراق، وكان يردد أن حبه للعراق أعمى، ذلك لأن الهوى شريك العمى كما يقال في الأمثال!  
انقطع ناطق عن الاتصال بنا ثلاثة أيام، وكان هذا الأمد الزمني الطويل كافيا لأن نقلق، فالرجل لم يفعلها من قبل، حتى جاء الخبر الموجع : لقد رحل ناطق هاشم .. رحل بعيدا عن الديار وعن الدنيا بأسرها ولم يكمل مشروعه التدريبي الذي كان متعثرا حتى داخل العراق .. لقد كان الراحل عمو بابا يراهن عليه مدربا للمستقبل، وكان يرى فيه كل الفكر والشخصية والمقبولية التي ستجعله قريبا المدرب الأول في العراق دونما منازع .. ولكن (ناطق) خالف هذه المَرّة كل ما توقعه عمو .. غادرنا ومشروعه منقوص، وتركنا في حيرة من أمرنا، فقد كان يجب أن ينال فرصته هنا في بلده!  
عند الرابعة والأربعين من العمر - في السادس والعشرين من أيلول 2004 - امتدت يد المنون لتنتزع ضحكة ناطق هاشم .. كان يقول لي إن أقرب اللاعبين إلى قلبه وأكثرهم حميمية أحمد راضي وباسل كوركيس وإسماعيل محمد وغانم عريبي، وإن نجمه المفضل الذي لا ينازعه في قلبه نجم آخر هو هادي أحمد!  
ثم كان اعترافه الأخير لي قبل الرحيل في حوار لمجلة (الصقر) القطرية :  
كنا كلاعبين إخوة .. كانت العلاقات بين اللاعبين مثالية .. اعتقد أن جيلنا محظوظ جدا لأن النجوم برزوا في منعطف زمني متقارب، فحققنا للعراق ما يتمنى أي لاعب آخر أن يحققه . وقريبا من هذه الصورة، يتبادر إلى ذهني حال لاعبي اليوم .. علاقاتهم معقدة ومطالبهم (مادية) في الأساس .. وتحس بلامبالاتهم دون عناء ، حتى كأن القناعة تصل بي إلى حد أقول معه إنهم بلا ولاء حقيقي للكرة وللفريق الذي يلعبون له .. إنهم بذلك يتنكـّرون لإنجازات جيلنا والأجيال التي سبقتنا كلاعبين لأنهم يقفزون فوق التقاليد والثوابت!