كان عنوان جدي الوظيفي (رئيس مهندسين) في شركة النفط، واغلب الظن ان راتبه ومخصصاته تعادل راتب وزير، غير ان البحبوحة المعاشية والاقتصادية التي كان عليها، تعود في جانب مهم منها الى التركة التي ورثها عن ابيه (بساتين وعقارات ورصيد محترم في البنك!) ومع أنه كان حاصلاً على شهادة الدكتوراه من إحدى الجامعات البريطانية في مجال تخصصه، الا انه لم يتخل عن افكاره الشرقية الموروثة وفي مقدمتها، زواج الولد من ابنة عمه، وفي الحد الادنى من قريباته، وأن يسكن مع اسرته في البيت نفسه، ولذلك تحوّط سلفاً، وبنى داراً واسعة من (18) غرفة، وقبل وفاته رحمه الله، زاد على البناء غرفة جديدة تحسباً للزيادات المستقبلية المتوقعة!! كانت حصيلة جدي من زوجاته (4) اولاد و(9) بنات، وبناء على رغبته في حياته، ووصيته بعد موته، فقد تزوج الاولاد جميعهم في بيت الاسرة الكبير، اما البنات فكان زواجهن جميعاً من اقاربهن، خارج البيت بالطبع، كما تقضي العادات الشرقية، وكما نصّت عليه الوصية، وبمرور الزمن واقتران بعض الاولاد باكثر من زوجة، ازدحمت الدار بسكانها وساكنيها حتى بلغ عددهم (38) نسمة، وكثرت مشكلات الاطفال وانعكست على الكبار، غير ان ادارة المنزل حافظت على سيطرتها وسلطانها بيد الاخوة الاربعة الذين رأوا إن التخفيف من ذلك الزحام السكني بات ضرورة ملحة، ومن هنا اقتطعوا (3) غرف واسعة مع ملحقاتها، وجعلوها مشتملاً لشقيقهم (سعود) واسرته، او بالاحرى عمي سعود الذي كان الرابح الاكبر بين الورثة، لانه تخلص من الهرج والمرج وفوضى السكن، وفي الوقت نفسه بقي أحد الاشقاء الاربعة في اتخاذ القرارات والاشراف على حياة الاسرة الكبيرة. الحق إنّ وجود 38 فرداً في منزل واحد لا يخلو من متعة، فهناك فرص كثيرة لمزيد من الالفة والمرح والتسلية والتعاون، ولكن المصاعب والمشكلات اكبر بسبب الامزجة المتباينة، خاصة بين الاشقاء الذكور الاربعة اصحاب القرار، حيث يصعب اتفاقهم على موقف واحد، ولذلك كانت اوقات الزعل والمناكدة والاختلاف، تسيطر على اوقات الصفاء والتفاهم والراحة... من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، اتفاقهم منذ بضع سنوات على أن يقوموا بسفرة ترفيهية يروّحون فيها عن انفسهم و(عوائلهم)، ويوطدوا العلاقة بين الجميع، وقد اقترح والدي السفر الى تركيا، اما عمي حمزة فاقترح دمشق، بينما أصرّ عمي شعبان على طهران، في حين كان عمي سعود متمسكاً بدهوك، وبعد شهور طويلة من الحوار اتفقوا على مكان جديد، ولكنهم اختلفوا على واسطة السفر، بالطائرة او بمركباتهم الخاصة او يستأجرون منشأة كبيرة، ومضت شهور أطول قبل الاتفاق على واسطة النقل، غير انهم اختلفوا من جديد على من يشارك في السفرة ومن يبقى في المنزل، وما زالوا حتى هذه اللحظة في حوار ساخن، وآخر ما ترشح من اخبارهم هو الغاء السفرة او تأجيلها الى العام المقبل، وليس امام الاسرة التي لا تمتلك ولا تمثل اي قرار سوى الانتظار!!