خـرافة ابـن الـنادي!  

الرياضة 2020/10/12
...

علي رياح  

يمكن أن يجد النادي وسائل شتّى يُعبّر فيها عن وفائه للاعبيه بعد وداعهم الملاعب، ليس بين هذه الوسائل شرط ثابت وصارم ولا تنازل عنه وهو أن يُحوّل النادي أي لاعب معتزل لديه إلى مدرب للفريق الأول، خصوصا إذا كان هذا النادي كبيرا وجماهيريا ويحيط به  مساندون لديهم القدرة على اقتحام أسوار النادي عند اللزوم إذا تراجع المستوى والمردود!  
ليس سولشاير في مانشستر يونايتد وحده النموذج الذي يمرّ في ذهني وأنا اضع فكرتي على الورق، فإذا نقلت عينيك هنا في العراق وفي كثير من دول العالم ستجد نماذج مماثلة أو قريبة الشبه بالنموذج الذي أطرحه، مع الاحتفاظ بالاستثناءات التي تستحق وهي – على كل حال – قليلة ولا تشكل ظاهرة!  
في كرة القدم كل شيء يتحول إلى حساب بالمسطرة .. النجاح والفشل .. الفوز والإخفاق .. الرعاية والاستثمار .. الإدارة الرصينة والإدارة التي تلهث لتلبية طلبات جمع من المشجعين الضاغطين .. هذا التحول لم يعد يفسح المجال أمام أي مقارنة، فلا بد من التفوق، ويجب الفوز، وينبغي مد النادي بكل أسباب الاستمرار وأنا هنا أعني الجانب المالي أو التجاري، ولهذا صار الحديث – في الدول المتقدمة طبعا – حديث الكسب والتطوير والصمود في مجتمع كروي لا مجال فيه للعاطفة أو الترضية .. قلْ لي كيف تستثمر امكانياتك لعبا وتدريبا وإدارة وتجارة، أقل لك كيف يمكن أن تصل إلى النجاح!  
هذا التحول يجعل من عبارة (ابن النادي) مفرغة المحتوى، واستطيع القول إنها عبارة تندرج في إطار الخرافات التي لم يعد لها وجود في حياتنا، مثل طائر العنقاء أو الفينيق والغول الهائل!  
لقد تغيرت المعايير بحكم تغيّر كرة القدم .. في الأمس البعيد كان غاية المنى لدى أي لاعب عندنا أن يتم تعيينه منتسبا في القوات المسلحة مفوضا في وزارة الداخلية، وأقصى الأمنيات أن تستثني أجهزة الدولة المتنفذة كل الثوابت وتعيّن النجم ضابطا بنجمة واحدة كما حدث مع الأسطورة عمو بابا .. الأمر كان مكرمة حقيقية في زمن لم تكن للاحتراف فيه سطوة، ولم يكن هم اللاعب سوى أن يلعب ويتدرب في ظل القدرة على تأمين الحد الأدنى من مستلزمات الحياة، فكان منتخب العراق – مثلا – يحرز كأس العرب في الستينيات وهو منجز لم يسبقه منجز، ليتم تكريم الفريق ببالطوات، وكان الحدث موضع حديث الناس!  
وجه الكرة يتغير، والمستلزمات تنمو، والصراع في مواجهة متطلبات الحياة يسير بالتوازي مع وصول لغة الاحتراف والأموال إلى أعلى نبرة ممكنة، فلمَ لا ينال اللاعب أو المدرب حقوقه بعيدا عن خرافة الوفاء والولاء والانتماء من منطلقات إنسانية لا تجاري إيقاع الحياة ومتطلباتها؟!  
هل هنالك استثناء لمثل هذه (الخرافة)؟ نعم .. هنالك من حقق المعادلة العسيرة: نجومية في اللعب مع النادي ثم نجومية التدريب فيه، ولكن بشرط ألا تكون الحقوق موضع النقاش أو التفريط!  
هذا هو المنطق الذي يحكم كرة القدم في يومنا هذا، ولا مجال أبدا لقصص قديمة لم تعد في وارد التصديق أو القبول لدى أجيال نشأت في كنف الاحتراف!