الخلط الأيديولوجي بين مفهوم الثورة والانتفاضة

ثقافة 2020/10/13
...

 محمدحسين الرفاعي
 
[I] 
لا يأتي الواقع المجتمعيّ، وكل الظواهر Societal Phenomenon، والوقائع المجتمعيَّة Societal Facts  فيه، إلى مستوى الفهم، من دون الأيديولوجي. فحينما نفهم، نحن نفهم بواسطة الأيديولوجيا بوصفها تلك الرؤية الكُلِّيَّة الشاملة للعالَم، والوجود فيه، والمجتمع، والإنسان. الأيديولوجيا، من هذا المنظار، أي في معنىً أوسع ممَّا ذهب إليه ماركس وأنجلز، هي حقل فهم الموضوعات التي هي في طور دائم من الانتظار لكي تُفهم، ومِنْ ثُمَّ يُتساءل عنها، ومن بَعدُ، يُعاد بناء الفهمِ بها، بالتفكير. أي تفكير؟ التَّفكير الذي يستطيع أن يأخذ مسافةً منها، في كليتها، ويحدِّدُ تساؤلاتٍ إشكاليَّةً عنها.
 [II]
ولكن، بأيةِ معانٍ نتوقف عند الوعي المجتمعيّ، وفهم الموضوعات المختلفة، بواسطة الايديولوجيا؟ وأية وسائل تساؤل وفهم، وتفكير تلجأ الأيديولوجيا إليها، في كلِّ مرة، من أجل تحديدِ الفهمِ بعامَّةٍ؟ 
إنَّها وسائل التحديد، وأدوات الحجب، وتقنيات الاِختزال. أي بواسطة تحديد الفهم ضمن حدود نظرية يبدأ الفهمُ بها، وينتهي فيها، من جهة أولى، وحجب العناصر التي لا تتوافق مع الرؤية التي تخص الأيديولوجيا، من جهة ثانية، واختزال الواقع المجتمعيّ في جزء منه، من جهة ثالثة.
[III]
إذن، نحن في كلِّ مرة، نكون أمام واقعٍ مجتمعيٍّ هو ليس الواقع الواقعيِّ كما نريده أن يكون واقعيَّاً، بل إنَّه ذاك الواقع الذي قد حُدِّدَ على هذا النحو أو ذاك، آيديولوجيَّاً. إنَّنا، والحال هذي، أمام واقع ليس كما يريد أن يكون، بل كما يُراد له أن يكون. إنَّ الواقعَ المجتمعيَّ، هكذا، يفقد واقعيَّتَهُ بوصفه قد أصبح فكرةً أيديولوجيَّةً في كل مرَّةٍ. إنَّ الواقعَ إنَّما هو، في اللَّحظة التي يُتساءَل عنه، ليس واقعاً كما يُتصوَّر، بل إنَّه الفكرة. الفكرة التي من شأن الواقع المجتمعيّ وقد أصبح مُأَدْلَجَاً. 
[IV]
وبناءً على ذلك، حينما نتساءل عن التغير المجتمعيّ، في الرابطة بينه والحركة المجتمعيَّة، من موقع خارج الصراع الأيديولوجي على مفهوم الواقع المجتمعيّ، نكون أمام خمسة نماذج منه: I- الثورة على صعيد الواقع المجتمعيّ، تلك التي تقوم على الاِنطلاق من الثورة في بنية الثقافة، أي الاِنتقال في الوعي المجتمعيِّ من مستوى إلى مستوى آخر، وتنسحب إلى الثورة في بِنيَة الاِقتصاد، والثورة في بنية السياسة، وحقل السلطة وممارستها فيها. II- الثورة على صعيد بِنيَة الثقافة، تتضمَّنُ الاِنتقال ممَّا هو سائد ومتعارف عليه، وشائع، إلى الشكِّ به؛ الشكِّ الذي يذهب إلى تفكيكه، ووضع البديل عنه ضمن الحقول المعرفيَّة المختلفة التي تُحدِّد الوعي المجتمعيّ. III- الانتفاضة هي الثورة الناقصة. أي تلك التي تسهم في تغيُّر مجتمعي عند بِنيَة من البِنى المجتمعيَّة، أو حقل من حقول الوجود داخل بِنيَة من البِنى.
IV- الانقلاب يتضمَّنُ معنى التغيُّر المجتمعيّ الذي يأتي بالفَرض والإرغام، من الأعلى إلى الأسفل، بواسطة سلطة، دينية، أو إعلامية، أو سياسية، معارضة للسلطة القائمة. وتصبح بذلك، قادرةً على إحداث التغيُّرات في كل بِنيَة من البِنى المجتمعيَّة. V- الثورة التي تُقمع بالعنف والوحشية، تشتمل على معنى التغير المجتمعيّ داخل بِنيَة الثقافة، وحقول الوجود المجتمعيّ فيها. مثلاً: التغيُّر المجتمعيّ في حقل الدِّين: معنى الدِّين، والتدين، وفهمه، وطبيعة العلاقة معه. وتبقى تمارس وجودها في حقول الوجود التي تنتمي إلى [ميتا- مجتمعي].
[V]
وهكذا، انطلاقاً من وسائل تحديد الفهم المتمثلة في: حجب المعنى، وتشويه الواقع، عند مستوى الفكر، والممارسة، من جهة أولى، وبواسطة أدوات حجب الواقع التي تتضمَّنُ ضروب تغييب الاختلاف والتعدُّد والتنوع، من جهة ثانية، ومن خلال تقنيات الاختزال التي تشتمل على التعرف إلى الواقع بواسطة منظور نظري بعينه، منظور السلطة في الغالب، تُصبِح الحركة المجتمعيَّة، تارةً ثورة، وتارةً أخرى اِنتفاضة، ومرةً فوضى، ومرةً أخرى تخريباً وهدماً وتحطيماً.