صلاح حسن السيلاوي
أينما اتجهت في دول العالم، تجد أزياء الناس تدل على تلاؤمات عديدة في حياتهم، تلاؤم مع المناخ والجغرافيا، والمستوى الثقافي للمجتمع، فمثلما تجد أزياء تدل على انتماء ديني وقومي وطائفي، تجد أخرى تؤكد انتماءً نخبويا وثقافيا ووظيفيا وعلميا، وكل ذلك يوضح نمواً وتحاوراً أو تصارعاً أو توازن ثقافات، من كل هذا يتبيّن أن الزي هو إعلان عن الذات، عن سلطتها، أو تواضعها، عن تضخم نرجستيها أو امتزاجها في روحية هذا العالم .
لماذا ابتعدت الشخصية العراقية الآنية عن اللون الأكثر تفاؤلاً، وصارت الألوان الغامقة أقرب إلى ذائقتها؟، لماذا صار قاموس ألواننا غير قابل للتعدد وقاسيا في بعض الأحيان، هل للموت والحرب والصراعات الطائفية وغيرها أثر في تعود العين العراقية على ألوان محددة دون أخرى، أم أن الذائقة ولدت هكذا، وأن القتامة اللونية جزءٌ من شخصيتها حتى صارت ملابسنا تشير إلى الحزن، من يختار أزياءنا؟، ما الذي يؤثر في صناعتها بأشكالها النهائية؟، ألا ترى أن الأزياء وانتماءاتها الى البدواة أو الريف أو المدينة تدل على تسيّد ثقافة معينة؟، هل ترى أزياءنا نحن العراقيين تقليدا للآخرين، أم ان حسابات الموضة العالمية والحس الثقافي الخاص تَدَخَّلَ فيها؟، ما رأيك في علاقة زي الإنسان العراقي بجوهره؟ .
تبعيّة شكليّة
عن تفشي الزي البدوي والريفي في حياة المدينة العراقية أجاب القاص علي حسين عبيد بأنّ ذلك نتيجة أولية للمحيط العائلي، ثمّ المحيط الاجتماعي الأوسع، ولم يظن عبيد بأنّ للثقافة دورا مؤثرا في هذا المجال، لأن الأمر يتعلق بطبيعة الأنساق الحياتية المتوارثة على حد تعبيره .
كما رأى بأن أزياء العراقيين تكاد لا تختلف عن تنوع المكون المجتمعي المتعدد والموزَّع بين العرقية والإثنية وسواهما في العراق، فالزي العربي يختلف عن الكردي طبعا، وينطبق ذلك على المسلم والمسيحي والمندائي لاسيما بالنسبة للأزياء الرسمية والتراثية، لافتاً إلى تأثير الموضة العالمية ودورها في تحديد نوع أو شكل الملابس المتداولة في البلاد، خاصة بالنسبة للنساء والشباب، وهذا يؤكّد -على حد رأيه- نوعا من التبعية الشكلية الباهتة التي قد لا تُسائل المنتج بل تخضع للذائقة التي شكلته على الرغم من اختلافها مع ذائقة المستورد، فتجد شابا عراقيا يتمثل بالإنسان الغربي من حيث الملبس والشكل الخارجي، لكنّه يجافيه في المضمون، أو المنتَج وما شابه.
كما تحدث عبيد في رأيه عن التناقض بين الزي والانتماء للثقافة، مؤكدا على وجود هذه الظاهرة فعلا، مبيّنا أن جزءا من أسبابها هو صعود الهامش الى المركز بعد 2003، ولم يظن أن المقدرة الفكرية للمثقف أو الإنسان بمختلف مرجعياته عموما له علاقة مباشرة بطبيعة الزي الذي يرتديه.
تسيّد اللون الأسود
الباحث والإعلامي حسين علاوي يرى أن الزي يمثل جزءا من شخصية الأمة والمجتمع إلّا أن تطور الحياة فرض على الكثير من الأزياء القديمة تغيّرا وتطورا بل وتبدلا، فما كان يصلح قبل قرن أو عقود لا يصلح ولا يواكب الموضة في ظرفنا الراهن، ولفت علاوي إلى سبب تسيّد اللون الأسود على أزيائنا العراقية، إذ أصبح على حدِّ قوله هو اللون المفضل ليس لمواكبة الموضة وإنّما بسبب الحروب وما قام به الإرهاب وتزايد أعداد الموتى والمعتقلين في زمن النظام السابق فضلا عن أثر المناسبات الدينية وخاصة عاشوراء، موضحا أن كل ذلك برر طغيان ثقافة السواد على كلّ مرافق حياتنا حتى أصبح الكثير منا يستقبل الحزن ويرتدي اللون الأسود قبل موسمه .
وأضاف علاوي قائلا: هناك تخلّف ثقافي باختيار الألوان التي تناسب بشرة الإنسان وتضيف بهجة روحية ونفسية للرائي وينسى الكثير تنوّع الألوان في الطبيعة التي خلقها الله وخاصة في الزهور بل وحتى في الصخور، فهناك ألوان شبيهة بالقوس قزح، واعتقد ان لارتداء الزي والتناسق فيه ثقافة يجهلها أناس كثيرون؛ لأن للأزياء في العالم دور خاصة بها وعروضها شبيهة بعروض المسرح، فهناك تجريب وكلاسيك وثمة حداثة أيضا، وكلّها تخضع لألوان المواسم وتواكب حركة العصر، فهناك لن تجد شابا او شيخا في اوروبا يرتدي زيَّ اجداده باستثناء المناطق الجبلية او القرى، فالعامل يرتدي البدلة الزرقاء والسائق يرتدي الزي العصري وان الكثير من الازياء الفلكلورية أصبح مكانها المتاحف والمناسبات والافلام والمسلسلات التاريخية ولا وجود لها في عصر الحداثة باستثناء الشرق الذي لا يعرف موضة غير الدشداشة والعقال والسروال وهي ازياء تكلّف اصحابها اكثر من الازياء الحديثة.
قراءة ثقافيّة
الشاعر محمد حسين الفرطوسي تحدث عن علاقة شكل الانسان العراقي بجوهره انطلاقا من زيّه، لافتا الى ارتباك تلك العلاقة، وذلك لأنّ الزي العراقي لم يتطوّر بطريقة تتناسب مع معطيات الثقافة العربية او الرافدينية، على حد قوله. ولفت الفرطوسي الى أهمية قراءة المجتمع قراءة ً ثقافيةً من خلال أزيائه فهي تدل على مفاهيم متعددة، منها تناسب تلك الازياء مع طبيعة العمل وطبيعة الحركة التي يمارسها الانسان في تنقله، ومما يشير الى ذلك سعة ملابس العراقي في اقليم كردستان لتمكنه من التنقل بين المرتفعات والجبال والصخور، وما يمكن قراءته عن اسباب اختلاف بعض الازياء بين الشمال والجنوب والوسط، فلون اليشاميغ في الوسط والجنوب تختلف عن لونها في الشمال والمنطقة الغربية، كما أن شباب بعض المدن يحتفون بلبس الدشاديش في حين يحتفي آخرون من مدن اخرى بلبس البناطيل الحديثة، من هذا كله يمكن أن نذهب الى إنجاز دراسات لكشف أسباب ذلك، وفهم علاقة الزي بالثقافة والتاريخ والأديان والمذاهب، وأضاف الفرطوسي بقوله: يمكن ملاحظة علاقة التاريخ والاديان بالزي العراقي من خلال التساؤل عن ارتداء العراقيين للعمامة وألوانها، وطريقة لفّها على الرأس، فهي تختلف من مذهب الى آخر، كما يمكن اكتشاف علاقات أخرى للتاريخ والجغرافيا بالزي كالازياء التي يرتديها رجال الدين المسيحيون والصابئة وأصحاب المهن، وتأثير ذلك كله على الزي العراقي، كما لا بدّ من البحث في علاقة الازياء العراقية الحالية بأزياء أهلنا السومريين والبابليين والاشوريين .