هكذا.. ترجَّل علي الشوك

ثقافة 2019/01/12
...

 
باسم عبد الحميد حمودي
 
صباح الجمعة الماضي 11-1، رحل الصديق الأستاذ علي الشوك في أحد مستشفيات لندن عن ثمان وثمانين عاما.
ياله من عمر طويل بالنسبة لآخرين ممن لم يفعلوا في حياتهم شيئا, لكني أشعر أن عمر علي الشوك كان قصيرا لأنّه خزين معرفي هائل لديه الكثير مما حرمنا من معرفته؛ لأن سنوات عمره لم تتسع له ولا لنا لأن نزداد متعة ومعرفة عن طريقه في الموسيقى والادب والفلسفة واللغة, وفي كل متع المعرفة التي يحتاجها الإنسان الواعي. ولد علي الشوك في محلة الشوكيّة ببغداد عام 1930 وكانت دار ابيه وداره تقع  في "شويرع" أمام الاذاعة اللاسلكية العراقية في الصالحية، وعلى مقربة من دار والد مظفر النواب حيث كنا نزورهما في منتصف خمسينيات القرن الماضي. درس علي الشوك الرياضيات في مرحلة الليسانس في الجامعة الاميركية ببيروت، ثمّ أرسل عام 1948 ببعثة حكومية الى الولايات المتحدة لدراسة الرياضيات وتخرّج مدرسا بارعا فيها.
يقول الاستاذ الشوك في مقالة له عن الكتابة, إنّه كان لا يلحن اثناء قراءة النصوص في المدرسة الثانوية ولكنّه كان لايحب درس الانشاء, وكان يقرأ كثيرا, وفي أيام المراهقة كانت صديقاته بطلات جين أوستن وتولستوي ودو هاميل, بطلة كل رواية يقرأها, فقد كانت مسألة الحب المباشر, أو وجها لوجه – كما يفعل شبان اليوم- صعبة ولكنّها ليست مستحيلة!.
فعل علي الشوك في مسألة الحب ما لم يفعله أحد, فقد أحب بصدق جارة له، وبدأ يكتب الرسائل لها, لكن هذه الرسائل لم تصلها مباشرة بل عن طريق شقيقها الذي كان صديقا حميما له ويتفهم موقفه, لذلك كان ينقل الرسائل – بأمانة – الى شقيقته- واحدة تلو أخرى !.
 ويبدو أن الفتاة كانت (متونسة) و (متباهية) بهذه الرسائل فقد كانت تطلع اختها الكبرى واخواتها الأخريات على الرسائل!.
عندما أحسّت الأخت الكبرى ان الرسائل جادّة وان آل الشوك سيطلبون يد أختها حملت كل الرسائل لوالدها الذي كان حصيفا هادئا واستطاع ايقاف علي عن الاستمرار في الكتابة في وقت تهيأت فيه بعثته الى بيروت. وإذا كان مثقفو بغداد وبيروت قد تعرف أكثرهم على (علي الشوك  عبر كتابه (الأطروحة الفنطازية) وهي درس في اللغة المغايرة وجمع الثقافات، فإن معظمهم لم يكونوا يعرفون في الاستاذ الشوك قبل هذا دقة العمل الثقافي الرصين كمحرر رئيسي في مجلة (المثقف) التي كان يصدرها خريجو الجامعات الاميركية في الستينيات وكان الشوك عمودها الرئيس. كان دقيقا في تحرير المواد وهو لايتحرّج من الحوار مع أمثالنا  من هواة في كيفية (التدوين), وأقصد هنا الكتابة التي تحافظ على الوضوح والجملة القصية والتنقيط واستخدام الفارزة في موضعها والنقطة عند انتهاء الجملة.
أذكر أنا درسنا ذلك في (العالية) على يد استاذنا الدكتور فاضل حسين, وقد ناقشته أيامها في (المثقف) وهو يريد نشر مقالتي عن القصة القصيرة.
كانت وجهة نظري أن نظام الترقيم (puncttion) في العربية يختلف عن نظامه في الانكليزية, إذ لا وجود "للسمي كومه" في العربية كمثال. وقد شجعني صديقنا المشترك المرحوم عدنان البرّاك على الكتابة ضده في هذا المجال في جريدة (صوت الأحرار) الذي كان البراك فها –مع بديعة أمين- يتولى تحرير الصفحات السياسية، وكان علي الشوك وعبد المجيد الراضي وأضرابهما يتولّون تحرير الجانب الثقافي.
هنا خضت معركة (التنقيط) في (صوت الأحرار) دون جرأة على الاشارة الى الشوك، إذ ناقشني بصددها الاستاذان كاظم سعد الدين وخطاب العبيدي, وعدنان البراك يحرّض – ضاحكا – على النيل من علي الشوك, والشوك قد أخذ الامر – مثلنا بجد في التصويب والتنقيح.
لم يكن الشوك يجامل أحدا في الادب والفكر, وظلت أفكاره عبر دراساته طافحة بما يثري الفكر والحواس وخذ مثلا:
- الموسيقى الالكترونية
- كيمياء الكلمات
- أسرار الموسيقى
- الموسيقى بين الشرق والغرب
- الكتابة والحياة