كلما شاهدت فاطمة علي (29) عاماً، الباص الذي يقف صباحاً بالقرب من منزلها، لينقل احدى الطالبات الجامعيات، تكتنفها الحسرة والألم بسبب عدم اكمالها لدراستها، اذ لم تكمل دراستها في المرحلة الثانوية، بسبب عدم موافقة والدها دخولها الجامعة، خوفاً من متطلبات الدراسة، ورضخت لرغبته رغم شعورها الدائم بالنقص والحسرة على ضياع مستقبلها..
تحديات
ولا تختلف فاطمة عن كثيرات هجرن ربيع الدراسة من أجل أسباب عديدة كان أهمها، عائق الظروف المادية والعادات والتقاليد التي تفرض على الفتاة في بعض المجتمعات، لتتم تهيئتها لتكون زوجة صالحة، تقول اسراء جمعة (35) عاماً "منعني أخوتي عن الاستمرار في الدراسة حالما أصبح عمري خمسة عشر عاماً، ولكوننا نعيش في بيئة عشائرية تعتبر خروج المرأة بشكل يومي عيباً، وان المرأة ليس لها إلا بيتها وزوجها".
مضيفة"في عمر السبعة عشر عاماً، تم زواجي من أحد أقربائي، وأنا الآن أخشى على بناتي من تلك العادات الهمجية التي تحطم آمالنا وأحلامنا، ولكن التحدي الأكبر يكمن في المجتمع وأفكاره الرجعية".
مسؤوليات
بينما تقف أسر أخرى مع بناتها للتغلب على الصعاب، وإكمال دراستهن وتحقيق طموحاتهن، ثم الزواج وبناء أسرة سعيدة، ترى كثيرات أن الزواج والدراسة لا يجتمعان، للمسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتقهن، وضيق الوقت بين تلبية احتياجات الزوج والأطفال، وبين مواصلة التعليم على مقاعد الجامعة، اذ قالت ميس محمد (30) عاماً:"في السنة الثانية من الدراسة في كلية العلوم، اضطررت لإنهاء دراستي بسبب زواجي في المرحلة الأولى وولادة طفلي، وما ترتب على ذلك من واجبات، لاسيما ان زوجي ما زال طالباً معي، فشجعني على ترك الجامعة، والتفرغ لتربية طفلنا وإدارة شؤون البيت".
وتابعت محمد، وهي تحمل طفلها "للتوفيق بين الزواج والدراسة للفتاة يجب أن يكون هناك زوج متفهم، ومتعاون ويقدر الظروف التي تمر بها زوجته، خاصة ان التعليم واكتساب الخبرات والمعارف، سيعودان على الزوج وأطفاله بالنفع لصناعة جيل واعٍ".
وأشارت محمد إلى أن "الكثير من الشباب في السنوات الأخيرة أصبحوا يفضلون المتعلمات للزواج منهن، والموظفات ليعيننهم على تحمل أعباء الحياة".
وترى الشابة فرح رسول، طالبة دراسات عليا :"أن هناك الكثير من الفتيات أثبتن نجاحهن، وحققن طموحهن وهن متزوجات، ويحملن أعباء أسر ، نظراً للدعم المعنوي والنفسي اللذين حصلن عليهما من ذويهن وأزواجهن".
وبين خبير العلاقات الأسرية قاسم رحيم أن :"هناك أزواجاً يتذمرون لانشغال زوجاتهم بالدراسة، وإهمال أعمال المنزل كما تترتب عليهم أعباء مالية إضافية، ما يخلق مشكلات وصراعات بينهم".
ويستدرك رحيم"يجب نشر الوعي والتذكير بحقوق المرأة، وزيادة برامج محو الأمية والدورات التعليمية، والقضاء على قبلية الرجل، خاصة في المجتمعات التي تكبلها العادات والتقاليد، والابتعاد عن تهميش المرأة، كونها نصف المجتمع وصانعة المستقبل".
مجتمع معاق
ووسط كل ما يحدث من تغيرات في عقول الكثيرين، مازال البعض يعتقد أن الفتاة لن تستفيد من التعليم، ففي نهاية الأمر ستكون أماً وزوجة، ما يخلف مجتمعاً معاقاً ذهنياً.
وتؤكد رسل مصطفى (25) عاماً، طالبة طب أسنان، بأنها لا تفكر في الزواج مطلقاً أثناء متابعتها لدراستها حتى لو تقدم لها زوج مناسب بقولها:"قررت التركيز على الأولويات، والزواج حتماً سيأتي بعد الدراسة".
وواصلت مصطفى"من المهم جداً مقاومة العقلية الرجعية، والتخلص من التسلط على المرأة واستعبادها وقطعها من الجذور، وأن تتسلح المرأة بالثقافة والعلم والمعرفة، للتغلب على الجهل".
ويوضح الشاب صادق خالد "أن الفتاة التي تربت على تحمل المسؤولية منذ سن صغيرة، ستنجح في التوفيق بين الاثنين، مضيفاً"هناك فتيات تزوجن قبل إتمام دراستهن، وتفوقن وحصلن على شهادات عليا".
الباحث الاجتماعي عادل أحمد يرى "أن الكثير من وسائل التعليم أصبحت متاحة اليوم ومنها التعليم عن بعد، فبإمكان الفتاة الاستمرار في دراستها، وفي الوقت نفسه تدير شؤون أسرتها".
الحلم بالعودة
كما أن النزوح جراء الحروب والنزاعات، أدى إلى حرمان الكثيرات من إكمال دراستهن.
رانيا خلدون (18) عاماً، نزحت إلى مخيم شاريا في شمال العراق بعد أن عاثت عصابات "داعش"، الإجرامية خراباً في مدينتها الموصل، قالت خلدون بحسرة :"خسرنا كل ما نملكه، منزلنا ومدرستي التي كنت أحبها، وحتى زميلاتي لم أعد أعرف عنهن شيئاً، نعيش الآن على مساعدات الجمعيات الخيرية والتطوعية على أمل الرجوع لمدينتنا".
اما التربوي نجم العجيلي فقال:"ان للمرأة شأناً عظيماً في أي مجتمع ، هي مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق، والحاضنة الكبرى للتربية والتعليم، ولكن مجتمعنا الشرقي بما توارثه من عادات وتقاليد ظلمها بقناعاته، بأنها خلقت ربة بيت وزوجة وأماً تربي أطفالها، وتداري مشاعر الجميع، فأصبح البيت شغلها الشاغل، قتلناها فيه وقتلنا طموحها".
وأكد"عشت عن قرب مع حالات كثيرة، كوني منذ عشرين عاماً في التعليم، وأذكر بعضها وهناك من أجبروا الفتاة على ترك الدراسة لتتفرغ لتربية أولادها، وأخرى وعدوها بإكمال تعليمها ثم تغير الحال بعد الزواج، وبين العوز المادي، والظروف الاسرة، والمسؤولية الكبيرة التي تتحملها وحدها، تركت أحلامها تمضي كما تريد الحياة والآخرون، بعضهن يزورن المدرسة، ويتذكرن أجمل أيام قضينها بين جدرانها، ويتحسرن ألماً، لأنهن لم يكملن تعليمهن".