هل ستنهض الصناعات الجلديَّة وتنافس المستورد؟

ريبورتاج 2020/10/28
...

سها الشيخلي 
 

مع عراقة صناعة الجلود المحلية وجودتها، الا أنها تعاني اليوم من غزير غير مسبوق لبضاعة اجنبية باتت تنافس المحلية، ومع أن الظروف غير الطبيعية التي يعيشها البلد جعلت من محال القطاع الخاص تغلق أبوابها، ودفع أمهر الحرفيين الى الهجرة لتفرغ المدن من الحرف النادرة التي عرف بها البلد منذ آلاف السنين.
وحتى وقتٍ قريب كانت صناعة الجلود تلاقي إقبالاً من قبل السياح والزائرين قبل أنْ يستشري الفساد الإداري والمالي ويعم الاستيراد لتقويض صناعة مزدهرة على المستويين الخاص والعام.
ومع جودة صناعة الاحذية على المستويين العام والخاص، نجد أنَّ المستورد الرديء وغير الخاضع الى التقييس والسيطرة النوعية يغزو أسواقنا،فلماذا الاستيراد ولصالح من يعم ما دامت الصناعة المحلية جيدة؟، اذ شهدت المنتجات الصناعية الجلدية قبل سنوات اقبالا، ومنها الملابس الجلدية.
 
غياب الكهرباء
يقول حيدر صاحب متجر لبيع الأحذية الرجالية: " لقد كان لدي معمل صغير، لكنه يطرح الى أسواقنا أنواعاً جيدة من الأحذية الرياضة المدرسية، وبسعر يناسب الجميع، وخاصة الأحذية الرجالية ذات الجودة العالية، لكنَّ الظروف الحالية وأهمها الكهرباء المتقطعة، وفتح الاستيراد جعلتني أصرف العاملين المهرة، وافتتح هذا المحل المتواضع لبيع ما يستورده التجار من الأحذية الرجالية". 
 
الجودة
تحدث إلينا ابو رياض أحد بائعي القماصل الجلدية فقال: "تعد الجلود المستخدمة في صناعة الملابس من افضل الجلود الداخلة في عدة صناعات، اذ تتميز بطراوتها ولينها، ويصفها الأجانب بأنها كالحرير، والسبب هو طبيعة العلف المقدم للمواشي، وكذلك المراعي التي تسرح فيها الاغنام والابقار، إذ كانت الصناعات الجلدية لدينا تعدُّ من أرقى الصناعات، والى وقت قريب كان السياح والاجانب يطلبونها ويأخذون منها هدايا عند زيارتهم للبلد، وخصوصا المنطقة الوسطى وجنوب العاصمة بغداد، فقد تميزت بكثرة المدابغ لتقوم بمعالجة جلود الأبقار، إلا أنَّ أغلب هذه المدابغ أخذت تغلق أبوابها بسبب المستورد".
وتشهد الصناعات الوطنية المحلية تراجعًا كبيرًا، لاسيما بعد دخول الاحتلال عام 2003، ويعود هذا التراجع لاسباب عدة، منها التقصير الحكومي والفساد المستشري في البلاد، إضافة الى الاستيراد العشوائي وغياب الرقابة.
 
شركة الجلود
تحدث لـ"الصباح" المدير الفني لقاطع معمل أحذية بغداد التابع للشركة العامة للجلود والنسيج في وزارة الصناعة والمعادن المهندس قاسم عبد المحسن حيث قال: "تأسس هذا المصنع العام 1952، وكان مرتبطاً بمعمل (باتا) وهي شركة انكليزية، وصار اسمها الشركة العامة للصناعات الجلدية، وكان عدد العاملين حينها 2000 - 3000 منتسب، أما في الوقت الحاضر فيبلغ عدد منتسبيها 4 آلاف منتسب بعد عودة المفصولين السياسيين، ولدينا من 400 الى 500 عامل على العقود تعينوا قبل عام، في إثر المطالبة بالتعيينات، وبمناسبة حلول الشتاء وافتتاح المدارس تمت تهيئة إنتاج أحذية للأطفال والرجال، وأحذية رياضية، ويوجد معملٌ خاصٌّ للأحذية النسائية، الى جانب الحقائب بكل أنواعها وأشكالها".
ويلفت عبد المحسن الى أنَّ "للشركة ثلاثة مواقع، الأول في الكرادة، وينتج الأحذية المدنية والعسكرية، وهناك موقع ثانٍ ايضا تابع للصناعات الجلدية في الزعفرانية، أما الموقع الثالث في الكوفة، فينتج الدرع والخوذة الخاصة بالعسكريين، إذ تبقى الجلود المستخدمة ذات متانة وهي مطلوبة عالمياً".
 
الاستيراد
وأكد المهندس قاسم "طالبنا مراراً بعد 2003 بحماية ودعم المنتج الوطني، وخاطبنا مجلس الوزراء بايقاف الاستيراد، لكننا لم نجد الدعم الكامل، وتحدثنا كثيرا عن الاستيراد وقلنا انه ليس لصالح المواطن وهو عبء على الدولة، كما ان البضاعة الداخلة غير خاضعة للتقييس والسيطرة النوعية، ولكن الاستجابة كانت ضعيفة، والآن الاستيراد موجود وبكثافة ومن دون فحص، والذي يقف وراء الاستيراد لا يريد أنْ يتقدم المنتج الوطني، لذلك نناشد الحكومة الحالية أن تساند المنتج الوطني، مع العلم ان بعض الاحذية المستوردة رخيصة، لأنَّ جلودها صناعيَّة مع أنَّ منتجنا جيد وصحي". 
يضيف عبد المحسن: "ما ينقصنا هو الدعاية والإعلان، لأننا جهة تمويلها ذاتي، فمنذ 2014 وبدخول عصابات داعش الإرهابيَّة، عانينا عدم الاهتمام، وبالرغم من تفشي وباء كورونا، إلا أننا ما زلنا نعمل، ومع كل هذه الظروف نسد حاجة البلد بنسبة أقل من 50 %، وإنتاجنا يعتمد على الوزارات العسكريَّة وموقع الكوفة مخصص للإنتاج العسكري".