لا تقف عندك!

الصفحة الاخيرة 2019/01/14
...

 جواد علي كسّار
لا أقول ذلك زهواً، ولا أسوقه من باب الترفع على خلق الله، بل من باب نفاد الصبر من كثرة الأكاذيب والشائعات التي تُنشر على وسائل التواصل، ومن خلال المجاميع. لذلك قلّصتُ مشاركتي في المجاميع خلال السنوات الماضية حتى باتت اليوم تقتصر على ثلاثٍ نخبوية، مع ذلك لم تنج مجاميع النخبة هذه من السطحيَّة والتكرار حدّ الإسفاف والاستخفاف بالعقول.
جاءني في إحداها لقاء مفترض للإمام علي بن موسى الرضا مع راهب نصرانيّ، حين سأل الراهب الإمام: أنتم المسلمون عندكم عنصرية؟! هكذا بالنص، وكأنَّ الراهب المسكين يتحدّث بلسان الثقافة المعاصرة! ثمّ عاد النص نفسه ليحدّثنا أن الإمام زار القسطنطينية سنة 371ه، وأجرى حواراً معرفياً حول قضايا خلافية بين الأديان، حيث يُفهم من السياق وكأنَّ الواقعة حصلت للإمام علي بن موسى الرضا المولود في المدينة سنة 148ه والمستشهد في خراسان سنة 203ه!
إذا تركت دائرة المعرفة الدينية إلى المعرفة السياسية، فلم يملّ بعض أفراد هذه النخبة، من تدوير نصّ منسوب إلى هنري كيسنجر عن العراق، والاستراتيجية الأميركية في هذا البلد، محفوف بمبالغات وتهويل وخيالات، ورغم حرص مدراء المجموعة على نفي هذا النصّ الكيسنجري المزعوم، إلا أنه لا يزال يطلّ برأسه بين الفينة والأخرى، ومن قبل أفراد يعيش بعضهم في أوروبا أعرفهم معرفة شخصيَّة، وأنا أعجب من تصديق عقولهم لهذه النصوص المكذوبة في الثقافة الدينيَّة والسياسيَّة والتاريخيَّة والحياتيَّة، وكأنَّ المطلوب ملء العقول بالخرافات والنقول الوهميَّة، لشلّ النفوس وتعميق حالة اليأس والإحباط والهزيمة، والحؤول دون أي مبادرة أو فعل أو عمل، على طريقة «قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان!»، وأنَّ كلّ شيء مخطط له سلفاً، وأوضاعنا محسومة من قِبل الآخرين في واشنطن وتل أبيب، أو في هذه العاصمة وتلك، من قِبل هذه المنظمة وتلك المجموعة أو الحزب!
من النصوص التي تطلّ على مجموعات النخبة، وأقرؤها بدهشة ما يُنسب بكثرة إلى المسكين ابن خلدون (ت: 808ه)، وأقلّ منه قليلاً إلى سلفه فيلسوف قرطبة ابن رشد (ت: 595ه)، كما إلى سلفهما فيلسوف المسلمين ابن سينا المتوفى 427ه، وهم من جميع هذه الأكاذيب بُراء!
لستُ أدري لماذا نعطّل طاقتنا في التفكير ونجمّد عقولنا، بهذه المتاهات بل التفاهات والسفاهات والجهالات؟ ولماذا لا نفكر ونمارس التحليل بالعقل بعيداً عن هذه الأُطر الوهمية؟
صحيح أننا نجد في كلّ مجموعة من يردّ بدقة وعمق، على هذه النصوص والمنشورات التائهة المضللة، وأحياناً بعنف وحدّة مطلوبَين، لكن الغريب هي الجُمل التي تُذيّل بها هذه النصوص: من أروع ما قرأت! وانقلها وترى العجائب! وقرّرنا اليوم هزّ «الواتساب» بمليون كذا ومليار كذا! انقلها ولا تقف عندك!
أقول: إذا كانت هذه هي الروائع بنظر هؤلاء، فما هي التوافه إذن؟!