ردت أنقرة بلسان أكثر من مسؤول في حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان على تهديد نظيره الأميركي دونالد ترامب بتدمير تركيا اقتصاديا إذا هاجمت "الأكراد" في سوريا، في وقت أبدت فيه أنقرة قبولا مبدئيا لمقترح ترامب إقامة "منطقة آمنة" عند الحدود التركية – السورية. ويتزامن الموقف الأميركي الجديد مع مواصلة تركيا تحشيدها العسكري في الشمال السوري استعدادا لشن معركة ضد "المعاقل الكردية" الواقعة شرقي نهر الفرات.
رد وقبول
وقال مولود جاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي، أمس الاثنين، في مؤتمر صحفي بأنقرة: "أبلغنا واشنطن بأن تركيا لا تهاب أي تهديد، ولا يمكن بلوغ الغايات عبر التهديدات الاقتصادية".
وغرّد ترامب على حسابه الرسمي في تويتر "سندمّر تركيا اقتصاديا إذا هاجمت الأكراد. أقيموا منطقة آمنة بعرض 20 ميلا (...) وبالمثل، لا نريد أن يقوم الأكراد باستفزاز تركيا".
ويرفض الخطاب الرسمي التركي إطلاق تسمية "الأكراد" على التنظيمات الكردية المسلحة التي تصنفها "إرهابية". وذكر جاووش أوغلو أن من غير الممكن التوصل إلى نتيجة مرضية في حال المساواة بين التنظيمات الكردية والأكراد، منتقدا "تغريدة" ترامب بقوله إن "الشركاء الستراتيجيين لا يتحدثون عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
وأكد وزير الخارجية التركي، في المقابل، عدم معارضة أنقرة اقتراح ترامب إقامة "منطقة آمنة" في الشمال السوري، عازيا المقترح إلى إصرار تركيا على تأمين حدودها. وتحدث الوزير عن خضوع الرئيس الأميركي لضغوط من مؤسسات أميركية أمنية تعارض إعلان الانسحاب من سوريا. وكان جاووش أوغلو رحب، السبت الماضي، بتصريح نظيره الأميركي، مايك بومبيو، أنه يتفهم دوافع أنقرة لحماية حدودها، إثر اتصال هاتفي جرى بين الوزيرين.
حامية لا عدوة
وكتب فخر الدين آلتون، رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، على تويتر في إطار الرد على ترامب، إن "الجمهورية التركية ليست عدوة للأكراد بل حاميتهم، وليست لديها أي مشاكل معهم، فنحن مسألتنا مع تنظيم PKK الإرهابي وامتداداته في سوريا".
وأكد آلتون أن تركيا ستواصل محاربة تلك التنظيمات، مضيفا "أمننا القومي هو الأساس بالنسبة لنا، وهو الذي يحدد معالم كفاحنا ضد الإرهاب".
وأعاد آلتون نشر تغريدة لإردوغان في 2015 كتب فيها "أوجه ندائي للعالم أجمع: لن نسمح بإنشاء دولة على حدود تركيا الجنوبية، شمالي سوريا، مهما كان الثمن".
"خطأ قاتل"
وردّ إبراهيم كالن، المتحدث باسم إردوغان وكبير المفاوضين مع الأميركان، على تغريدة ترامب. وكتب كالن في تويتر "إلى السيد ترامب؛ إن وضع الأكراد مع تنظيم PKK الإرهابي وامتداده السوري "YPG/ PYD" في خانة واحدة، يعد خطأ قاتلا (...) تركيا تكافح الإرهابيين وليس الأكراد".وقال كالن إنه لا يمكن أن يكون "الإرهابيون" حلفاء واشنطن وشركاءها، لافتا إلى أن تركيا تنتظر من الولايات المتحدة الاضطلاع بمسؤولياتها وفقا لمقتضيات الشراكة الستراتيجية بين البلدين.
التهديد قد يعني عقوبات
وعلق بومبيو على تهديد ترامب بتدمير اقتصاد تركيا بأنه قد يشير إلى "عقوبات"، مضيفا في تصريحات أطلقها من الرياض "عليكم أن تسألوه عن هذا". وأكد الوزير الأميركي أن تهديد ترامب لن يغير خطط سحب القوات الأميركية من سوريا.
تعزيز عسكري وتراجع نقدي
وواصلت القوات المسلحة التركية إرسال تعزيزات إلى قطعاتها المنتشرة في المناطق الحدودية مع سوريا بالرغم من تهديد ترامب.
وذكرت وكالة الأنباء التركية الرسمية أن دفعة جديدة من التعزيزات وصلت على متن قطار إلى محطة مدينة اسكندرون التابعة لولاية هتاي الحدودية، ثم جرى تحويلها إلى الوحدات العسكرية المتمركزة عند الحدود.
ويتواصل منذ أيام إرسال التعزيزات العسكرية متضمنة دبابات ومدافع وناقلات جنود ومعدات أخرى، وسط ترقب لإطلاق عملية عسكرية ضد التنظيمات الكردية في
أي لحظة.
وانعكس تهديد ترامب على سعر صرف الليرة يوم الاثنين. وتراجعت العملة إلى 5 ليرات و54 قرشا للدولار الواحد في ساعات الصباح، قبل أن تستقر عند 5 ليرات وأكثر من 51 قرشا قبيل إغلاق التداول
في السوق.
موقف صعب
ويعزو مصطفى جليل، الباحث في الشؤون التركية، تهديد ترامب إلى "شعور الإدارة الأميركية بأن الأتراك جادون بالإقدام على تحرك عسكري ضد التنظيمات الكردية في الداخل السوري". ويتابع "لأن هذا التهديد مفاجئ ومناقض لفحوى التصريحات الأميركية الأخيرة عن التفاهمات مع تركيا في سوريا، لاسيما التصريحات التي أطلقها بومبيو".
ويرى جليل أن "ترامب يريد دفع تركيا إلى تأجيل عمليتها العسكرية المرتقبة في سوريا لحين حسم الانسحاب الأميركي أو الموقف النهائي منه". وأعادت تداعيات زيارة جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي إلى أنقرة مؤخرا، وتصريحاته التي أطلقها قبلها، رسم ملامح التوتر على وجه العلاقة التركية – الأميركية. وصرّح بولتون بأن الانسحاب الأميركي من سوريا لن يتم إلا إذا ضمنت تركيا سلامة المقاتلين الأكراد، مضيفا "لا نعتقد بأن الأتراك يجب أن يقوموا بعمل عسكري من دون تنسيق كامل وموافقة من الولايات المتحدة على الأقل، حتى لا يعرضوا قواتنا للخطر ويلتزموا أيضا بطلب الرئيس (دونالد ترامب) بعدم تعرض قوات المعارضة السورية التي قاتلت معنا
للخطر".
ويجد الباحث في جامعة يني يوز يل التركية أن "تركيا في موقف صعب لأنها كحكومة وكحزب حاكم تريد الحفاظ على شعبيتها في الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في آذار المقبل والمرتكزة على دعاية بوجهين أحدهما اقتصادي والآخر يتعلق بالسياسة
الخارجية".
ويواصل الباحث أن "التهديد الأميركي قد يضرب كلا الوجهين، لأنه قد يعيد حرب العقوبات المؤدية إلى تراجع العملة من جهة، وقد يعيد التوتر إلى سلك العلاقة بين أنقرة وواشنطن".
ويخلص "لذلك وحتى تخرج تركيا بوجه جيد ستلجأ إلى الموافقة على المقترح الأميركي بإقامة منطقة آمنة عازلة بين قواتها والتنظيمات الكردية".